التوازن في النظام الكوني والإنساني الذي أبدعه في عمق الوجود ، لتستمر الحياة من خلال شروطها الطبيعية ، وتعني تسلطه على الأشياء ، مما يعني التدبير والرعاية والحفظ في ما يستتبعه المعنى بنحو لا يكون لغيره في ما توحي به كلمة المبالغة. وفي هذه الصفة إيحاء بضرورة الرجوع إلى الله في كل شيء باعتبار حاجة الأشياء كلها إليه.
(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) السّنة النعاس الذي يقترب من النوم ، والنوم هو الذي يغلب على السمع والبصر ، وفي هذا تعميق للمعنى الذي توحيه كلمة القيّوم في ما تستتبعه من الرعاية الدائمة التي لا مجال فيها للتوقف والغياب بالنوم أو بالنعاس الذي تسترخي معه الحواس فتفقد الإحساس الواعي للأشياء ... ومن البديهي أن ذلك مستحيل على ذات الله ، لأنه من شؤون الجسد ، فلا تفرض لمن يتعالى عن الجسمية في ذاته المقدّسة.
وربما يتساءل البعض كيف قدّم السّنة على النوم على خلاف الطريقة البلاغية التي يترقى فيها التعبير ، في مقام الإثبات ، من الأضعف إلى الأقوى ، وفي مقام النفي من الأقوى إلى الأضعف ، وبناء عليه ، كان ينبغي أن يقال : لا يأخذه نوم ولا سنة.
والجواب أن المطلوب هنا هو نفي تأثير أيّ عامل خارجي يضعف قيوميّته على الموجودات ، فلا يملك الأضعف الذي هو النعاس الاقتراب منه ، بل لا يملك الأقوى وهو النوم النفاذ إليه ، لأنه فوق ذلك كله ، فهو الذي يؤثر في الأشياء ويحيط بها ويسيطر عليها ويقهرها ، ولا يملك شيء منها ، مهما كان حجمه في الماديات والمعنويات ، التأثير عليه ، فليس حاله كحال المخلوقين الذين يقترب منهم النعاس ليأخذهم عن اليقظة إلى الخدر والغفلة ، ثم ليزيد في التأثير على أجسادهم ، فيقودهم إلى النوم الذي يعطل فيهم الإحساس بالأشياء من حولهم.