له فقال : «الشفاعة تستلزم نوعا من العلاقة المعنوية بين الشفيع والمشفوع له ، لذلك ، فإن على من يرجو الشفاعة ، أن يقيم في هذه الدنيا علائق روحية مع من يتوقع شفاعته. إن هذه العلائق ستكون ـ في الواقع ـ وسيلة من وسائل تربية المشفوع له ، بحيث إنها تقرّبه من مدرسة أفكار الشفيع وأعماله ، وهذا ما سيوصله إلى أن يكون مؤهلا لنيل تلك الشفاعة.
وبناء على ذلك ، فالشفاعة عامل تربويّ ، وليست نوعا من المحسوبية والمنسوبية ، ولا ذريعة للتنصل من المسؤولية.
ومن هذا يتضح أن الشفاعة لا تغيّر إرادة الله بشأن العصاة المذنبين ، بل إن العاصي أو المذنب ـ بارتباطه الروحي بشفيعه ـ يحظى بتربية تؤهله لنيل عفو الله تعالى (١).
ولكننا نلاحظ على ذلك أن الشفاعة لا ترتبط بعلاقة المشفوع له بشفيعه ، بل ترتبط بعلاقة الشفيع بالله ، فلا ضرورة فيها للصلة الروحية بالشفيع ، لأنه لا يمثل ـ في معناها القرآني ـ واسطة ذاتية بحيث يتوجه الإخلاص إليه وينفتح الحب عليه ، بل هو ـ في هذه الدائرة ـ من شؤون الإخلاص لله والحب له الذي يتمظهر بحب أوليائه والانسجام معهم ، باعتبار أنه من شؤون الارتباط بالله.
وفي ضوء ذلك ، لا علاقة للمشفوع له بالشفيع من ناحية ذاتية ، بل لا بد له من أن يوثق علاقته بالله ويعزز ارتباطه به ، وليكون طلبه للشفاعة تعبيرا عن الدعاء لله بأن يجعل بعض أوليائه شافعا له من خلال توسله به عنده في ما يريده من تكريمه له بشفاعته لبعض المذنبين.
ولذلك ، فإنها تكون عاملا تربويا يقربه من الله الذي ارتفع الشفيع عنده
__________________
(١) الشيرازي ، ناصر مكارم ، الأمثل في تفسير كتاب الله تعالى ، مؤسسة البعثة ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٢ م ، ج : ٢ ، ص : ١٧٥ ـ ١٧٦.