الإيجابية.
ويذكر أصحاب هذا الرأي ، أنّ مثل هذه الكلمة قد وردت في أكثر من موقع تشريعي ، كما في قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] أو في الحديث الشريف : «لا ضرر ولا ضرار» (١) ، وغيرهما ، فإن مفادها هو نفي تشريع مثل هذه الأمور ، ويرون في آية (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) أساسا لهذه الفكرة ، باعتبار أن الاعتماد على البلاغ والدعوة من موقع الوضوح في القضية هو الذي يخدم الدين أكثر مما يخدمه الإكراه ، فإذا كان الله قد خلق الإنسان مختارا في ما يأخذ وفي ما يدع من موقع التكوين ، لأنه يريد للحياة الإنسانية أن تتحرك في خط الاختيار على أساس المسؤولية ، فإنه يريد لرسالاته من خلال رسله أن لا تفرض على الناس من موقع التشريع ، وعلى هذا ، فتكون الآية واردة في أسلوب الدعوة من جهة ، وفي خط مهمّة النبي الداعية من جهة أخرى. ففي الخط الأول ، ينطلق الأسلوب في إطار الوضوح الذي هو سمة الدين الحق ، وفي الخط الثاني ، يتحرك النبي الداعية في أجواء الإبلاغ والإقناع وحركة حريّة الفكر ... وفي هذا الخط ، تلتقي الآية ، في ما توحيه ، بقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، وقوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢٢ ـ ٢١] ، وقوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩].
وربما كان هذا الاتجاه في تفسير الآية أقرب إلى هذه الأجواء القرآنية من الاتجاه الأول ، بل ربما نستطيع أن نؤكّد ذلك على أساس أنه لا معنى لسوق الآية مساق الإخبار ، لأن عدم قابلية الدين للإكراه من حيث هو فكر ،
__________________
(١) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، ج : ٢٢ ، ص : ٣٥٦ ، باب : ٣٧ ، رواية : ١١٧.