من خلال إعطاء الإنسان الحرية في أن يؤمن أو لا يؤمن ، على أساس أنها قضيته الشخصية التي لا تستتبع أيّة مسئولية ، تماما كما هي قضية أن يأكل الإنسان أو لا يأكل في ما يباح للإنسان أن يفعله أو يتركه ، أو أنها تعني نفي الإكراه من خلال إعطاء فرصة الاختيار للإنسان على أساس تقديم البراهين على ما في الدين من الحق ، وما في الكفر من الباطل ، مع التأكيد على أنّ الاختيار المضاد يستتبع المسؤولية بالعقاب في الآخرة ، بالنظر إلى وضوح الرؤية في الحق الذي يمثله الدين ، وفي الباطل الذي يمثله الكفر ، فلا شبهة ولا ريب ، لأن كلّ ما يثأر من عناصر الريب والشبهة لا يمثل قيمة كبيرة في حساب الفكر والوجدان ، لضعف الحجج المضادة ، وقوّة الأدلة الموافقة ، ولعلّ هذا ما يظهر من ختام الآية.
ثم يبرز سؤال آخر : هل الفقرة واردة في مورد الإخبار ، أو هي واردة في مورد الإنشاء والتشريع؟
ربما يبدو للبعض الفرض الأول ، باعتبار أنّ قضية الدين تتعلّق بالقناعة الداخلية الفكرية للناس ، وهي من الأمور التي لا تقع تحت طائلة الإكراه ، ويرى هذا البعض في قوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) ، دليلا على هذا الفرض ، لأن معنى هذا ـ في ما يراه ـ هو أن هناك ما يدعم حجة الدين من خلال وضوحه في مقابل الكفر ، فلا معنى للإكراه على أيّ حال ، لأن الدعوة إليه تنسجم مع الطبيعة الذاتية لعلاقة الفكر بالقناعة الدينية.
وهناك من يرى في هذه الفقرة حكما شرعيا يدعو النبي إلى عدم إكراه الآخرين على الدخول في الدين ، بل كل ما هناك أن يدعوهم إليه بالحجة والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة ، فيعرض أمامهم الرشد الواضح في مقابل الغيّ الواضح ، ويترك لهم المجال لكي يتحملوا مسئولية مصيرهم في الدنيا والآخرة من موقع الإرادة السلبية أو