هو الذي يؤكد حاكميته في الخط الذي جعله لحكمه وموقعه الطاغوتي بتأكيد المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تفتح له آفاق الذهنية العامة للناس في عناصر الفساد المتنوعة الداخلية والخارجية ، بحيث يتحركون تبعا لإيحاءاتها ومعطياتها ونتائجها.
فإن الحاكم الطاغوتي الذي يرتكز حكمه على قاعدة ثقافية ذهنية عامة ، أكثر قوّة من الحاكم الذي ينطلق بالقوة وحدها في فرض سيطرته على الناس.
وبذلك يقف الإنسان المسلم في الحياة أمام خيارين لا ثالث لهما ، الإيمان بالطاغوت الذي يعني الارتباط بخط الكفر والباطل ويؤدي إلى الكفر بالله ، والإيمان بالله الذي يعني الانطلاق في حركة الحياة من موقع الحق في ما يمثله من امتداد ومسئولية وشمول ، ويمثل في مدلوله العميق الكفر بكل ما عدا الله ، ومن عداه من خطوط الباطل وقواه. فلا يمكن أن يجتمع في قلب إنسان مؤمن وحي الله ووحي الطاغوت ، وفي حركة إنسان مؤمن ، خطوات الحق وخطوات الباطل ، لأن آفاق الإنسان لا تتحملهما معا إذا كان الإنسان يتحرك في الحياة من موقع الجديّة والمسؤولية في ما تعنيه كلمة الإنسان المسؤول.
وربما ينطلق التساؤل ، لماذا هذا الحديث عن الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله في هذه الآية كما هو الأسلوب نفسه في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) [الزمر : ١٧].
والجواب عن ذلك : أن الإيمان ينطلق من انفتاح القلب أو العقل على الله بحيث لا يكون في داخله أيّ موقع لغيره ، حتى يكون الإيمان صافيا نقيّا خالصا في إيحاءاته وخلفياته ومعطياته ، لئلا يسيء الجو الداخلي في زحف المشاعر الخفية السلبية إليه ، فتختلط الصورة ، ويرتبك الإحساس ، ويمتزج