إن الجواب عن ذلك ، هو أن نختار الفرض الثاني. ففي الإيمان تلتقي خطوط الحياة العملية المسؤولة التي تقف بحساب وتتحرك بحساب وتخطط على أساس أن الله موجود من حيث هو خالق ومن حيث هو رازق ومن حيث هو رب الوجود ومالكه ومنه كل شيء وإليه المصير ، وإن وجود الإنسان يمثل الظلّ لوجوده ، فهو مفتقر إليه في كل شيء ، كما أن الله مستغن عنه في كل شيء ... فقضية الإيمان بالله مرتبطة بوجود الإنسان ، بأعمق ما تمثله الرابطة العضوية بين شيء وآخر.
وهذا هو معنى ما يمثله الله في حركة حياته ، فهو الذي يفتح للناس آفاق النور من خلال هدايته ، في ما يوحي إليهم من آياته ، وفي ما يشرّع لهم من شرائعه ، وفي ما يقودهم إليه من مصير ، وفي ما يثيره في أفكارهم من مفاهيم مضيئة ... وبذلك لا يمكن أن يعيش المؤمن معاني القلق والضياع والحيرة ، ولا يشعر بالجو الضبابي يغلّف رؤيته للأشياء التي حوله ، ولا يتخبط في ظلمات الريب والشك والشبهة ، ولا يتعقّد أمام الأزمات التي تختنق في داخله لتخنق له حياته ، لأنه يعرف من خلال إيمانه كيف يخطط لطريقه الذي لا التواء فيه ولا انحراف ، ويشعر بالنور يقتحم عليه وعليه للأشياء من حوله ، ويزيل عنه كل ريب وشبهة ، ويشعر في الوقت نفسه ، أن الكون يتحرك بالقوة الحكمية الرحيمة القادرة التي تسيطر على كل شيء وتضع كل شيء بحساب وتقضي كل شيء بحساب ، وبذلك لن تكون الحياة خشبة في مجرى التيارات ، بل هي سفينة تسير بقيادة مدبّر حكيم .. حتى الموت ـ في وعي المؤمن ـ ليس ظلاما وليس نهاية كل معاني الحياة ، بل هو انفتاح على الله في حياة جديدة يواجه فيها الإنسان نتائج مسئوليته ، كما كان يواجه في الدنيا حركة المسؤولية ، فهو يعيش في وضوح الرؤية في الدنيا ، وينطلق مع وضوح الرؤية في الآخرة ، وفي ضوء ذلك ، نفهم كيف يخرج الله الذين آمنوا من الظلمات إلى النور.