يحيي ويميت ، ووجد هذا الطاغية الفرصة لاستغلال سذاجة أتباعه البسطاء في أسلوب التمويه الذي يعتمد التلاعب بالألفاظ ، فأجاب إبراهيم ، بأنه يحيي ويميت ، لأنه يستطيع أن يبقي المحكوم عليه بالموت ، فيهبه الحياة ، وأن يعدمه فيقضي عليه بالموت ، فيكون مالكا لأمر الحياة والموت ... وإذا ، فهو يملك صفة الإله الذي يحيي ويميت ، فيحق له أن يكون إلها.
ولم يترك إبراهيم له الفرصة الذهبية التي يأخذ بها زهو طغيانه وتمرده ، فتحداه بالظواهر الكونية الثابتة التي خلقها الله في الكون ، وطلب منه تغييرها إذا كان إلها حقا ، وقدّم له عرضا بالشمس التي خلقها الله لتشرق من جهة المشرق ، وطلب منه أن يحوّل طلوعها إلى جهة المغرب ، (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ولم يملك جوابا لهذه الحجة المفاجئة ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لأن طبيعة الانحراف عن خط الله الذي هو خط العدل والسير مع خط الظلم الذي هو خط الكفر ، يبعد الإنسان عن الرؤية الواضحة الصحيحة للأشياء ، فيتخبط في الضلال على غير هدى ، ويتركه الله لضلاله ، بعد أن كان قد أقام عليه الحجة فلم يهتد بها ولم يخضع لها في ما يريد الله له من هداية وخضوع.
ويلاحظ في قوله تعالى : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) الواردة في موارد التعليل لما قاله هذا الطاغية لإبراهيم ، أن السبب في هذه الدعوى وفي هذا الطغيان هو رؤيته لنفسه في موقع الملك الذي أعطاه الله إياه في ما يعطيه الله لعباده من الفرص التي يختبرهم ويبتليهم بها في الحياة ، وذلك من خلال الأسباب الطبيعية المودعة في الكون لحدوث الأشياء وفنائها ... وقد تعاظم هذا الشعور في نفسه من خلال مظاهر القوّة التي يحدثها الملك وينميها ، فتملأ نفس الإنسان بالزهو والإحساس بالعظمة ، لا سيما فيما إذا رأى الآخرين يتصاغرون أمامه من موقع إحساسهم بالضعف والانسحاق