ولا بدّلنا ـ في سبيل الوصول إلى ذلك ـ أولا : من النفاذ إلى واقع الأساليب المضلّلة التي يخضع لها البسطاء من الناس ، والأساليب الصارخة التي تملك قوّة التحدي ، من دون أن يستطيع الآخرون ردّها أو مقاومتها ـ على الأقل ـ ، وهذا ما يفرض على العاملين أن يقوموا به من أجل أن يلاحقوا الواقع وأساليبه التي تحكمه وتوجّه خطواته ، بكل وعي ودقّة وشمول وانفتاح.
ثانيا : القيام بالتوعية الثقافية للناس البسطاء من جهة التأكيد على الواقع الموضوعي للأشخاص الذين يملكون بعض مواقع القوة كالسلطة والمال والجاه ونحوها ، ليواجه الناس نقاط ضعفه إلى جانب نقاط قوته ، وليتوازنوا في تقدير الجوانب الإيجابية في شخصيته من خلال المقارنة بالجوانب السلبية فيها ، حتى لا تتضخم ذاته في وجدانهم ، بحيث يرتفعون بها إلى الدرجة التي لا تستحقها ، كما لا ينتفخ ـ هو ـ عند نفسه في نظرته إلى موقعه إذا اندفع الناس نحوه من خلال هالة التقديس والتعظيم ، لأن السبب في الكثير مما ينطلق به الواقع البشري من ظواهر الشخصيات التي تؤله نفسها أو يؤلهها الناس هو فقدان التوازن في نظرة الناس إلى هؤلاء الأشخاص ، وفي نظرتهم إلى أنفسهم. وفي ضوء ذلك ، لا بد من الابتعاد عن أساليب التزلف والمبالغة والاندفاع العشوائي في قضايا المدح والتعظيم في الواقع الاجتماعي والسياسي العام.
إننا نريد التنبيه على هذه النقطة من خلال ظاهرة النمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربه في نظرته إلى نفسه من موقع الربوبية للناس ، فإن ذلك لم يكن إلا من جهة الإخلال بتوازنه في نفسه وتوازن الناس معه ، فلو لا ذلك