(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)
وهذا هو المصير المشرق الذي يدعو إليه الله عباده إذا أخذوا بأسباب البرّ التي تمثل مواقع رحمته ، وآفاق رضاه ، ليتنافسوا في الحصول عليه عند ما يشتد التنافس في ساحة الصراع فيمن يتقدّم على الآخر ، وفيمن يملك الموقع المميز ، لأنّه يمثل سرّ الخلاص النهائي ودرجة الفوز الكبير. أمّا التنافس في الحصول على أسباب التقدم في الدنيا ، في ما يحصل عليه الناس من شهوات ولذّات وأطماع ومواقع للجاه وللسيطرة ، فلا تمثل الهدف الكبير الذي ينبغي لهم أن يستهدفوه ، لأنّ ذلك ، مهما كان كبيرا وخطيرا ، فإنه يمثل المتاع الزائل الذي سيفارقه الإنسان في حياته أو عند مماته ، فيكون الجهد فيه جهدا ضائعا إلا إذا ارتبط ذلك بالهدف الأسمى في الحصول على رضى الله في بناء الحياة على الصورة التي يحبها الله في ساحة المسؤولية العامة.
إن الإنسان المؤمن ، يتطلع في كل أعماله وأقواله وعلاقاته إلى الحصول على رضى الله ، وإذا كان يفكر بالنعيم فإنه يفكر به باعتباره مظهرا لرضاه تعالى ، أما الفجّار ، فإنهم يفكرون بالربح السريع الذي يتحرك في حجم اللحظة ، بعيدا عن الامتداد في خط الخلود ، ولذلك فإنهم يستغرقون في الأرض ، ويخلدون إليها ، ولا يتطلعون إلى ثواب الله ونعيمه ، ولا يخافون من عقابه وجحيمه ، مما يدفع بهم إلى غش الناس ، وغمط حقوقهم ، وإسقاط القيم الروحية من حساب السلوك والعلاقات العامة. وهذا هو الذي يؤثر تأثيرا سلبيا على طبيعة الخط العملي الذي ينتهجونه في حياتهم ، ليتحوّل إلى جريمة فكرية في ما يمارسونه من الأخذ بأسباب الانحراف الفكري أو إلى جريمة عملية في ما يأخذون به من أسباب الضلال العملي. كما يؤثر على روحية التنافس لديهم ، فليست القضية قضية التطلع إلى الآفاق العليا المتصلة بالله وبمواقع رضاه ، بل القضية قضية الاختناق في سجن الذات وفي حاجاتها الحسية ، وفي آفاقها الضيقة ، بعيدا عن المصلحة النهائية في حياتهم عند الله ..
* * *