نسيان الآخرة يؤدي إلى الهلاك
(إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) عند ما كان يعيش في الدنيا ، وينال من متاعها ، ويكرع من لذاتها وشهواتها ، وينسى ربه في حسابه وعقابه. ولكن ما قيمة كل هذا السرور الذي تبخّر بالموت واستنفد كل مشاعره فلم يبق منه شيء؟ وما قيمة التاريخ الذي يحتوي الذكريات الحلوة ، إذا كان الحاضر يتحدّاه بالواقع القاسي المرّ؟ (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي لن يرجع إلى ربه للحساب ، ولذلك ، فإنه لم يجد هناك أي موجب للتوقف عن الامتداد في الغيّ والاستغراق في العصيان ، لأن الحياة ـ لديه ـ نهاية المطاف ، فلما ذا يحرم نفسه من لذائذ الحياة وشهواتها؟ وهكذا سار على حساب ظنّه الذي انطلق من تمنياته أن لا يكون هناك آخرة ، لا من قناعته الفكرية ، كما يحدث للبعض من الناس الذين يحوّلون تمنياتهم إلى قناعات ، ولا يعملون على أن يتوقفوا للتفكير وللحوار مع الذين يحملون القناعات الأخرى المضادة.
* * *
الله بصير بأعمال عباده
(بَلى) فقد كان مخطئا في ظنّه ، فليس الأمر كما زعم ، (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) ، فهو يعلم منه ما لا يعلم هو من نفسه ، ويعلم سرّه وعلانيته ، كما أنه يطّلع على خلفيات مواقفه التي تخفي الأسس الفكرية التي يمكن أن تقوده إلى الإيمان ، ولكنه يتخذ موقف المعاند الذي يأبى أن يقتنع عنادا واستكبارا ، وينسى أن ذلك لا ينفعه بشيء ، لأن الله سوف يواجهه ـ غدا ـ بأعماله عند ما يقف ـ بين يديه ـ للحساب ، ليجزيه على ما قام به من أعمال الكفر والشرّ التي أحصاها الله بكل مفرداتها الصغيرة والكبيرة.
* * *