جزاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وذلك بالأساليب المتعددة التي تتحرك في دائرتي الترغيب والترهيب ، بالضغط على ظروفهم ، أو على نفسياتهم ، أو على علاقاتهم ، أو على أوضاعهم العاطفية والشعورية ، بالمستوى الذي تعرّض الموقف للاهتزاز عند ما يشتد الضغط ليجعل الإنسان بين خيارين : خيار البقاء على خط الإيمان في مقابل أن يبقى معذّبا قلقا تحت تأثير الضغوط القاسية الصعبة التي تعرّض مصالحه وحياته للخطر ، وخيار الانحراف عن خط الإسلام في مقابل أن يحصل على امتيازات المال والجاه والطمع والشهوات ، وأن يرتاح لأمنه واستقراره الذاتي بعيدا عن كل الضغوط المادية والمعنوية. وقد يسقط البعض في الامتحان ، فينحرفون ، وقد ينجح البعض فيه ، فيستمرون.
إنها الجريمة الكبرى لأنها تمثل حربا على الله ورسوله في إبعاد الناس عن الدين الحق ، وحربا على الإنسان في جميع مواقعه في حاضره ومستقبله ، لأنها تبعده عما هو قاعدة الأمان في قضية مصيره ، وقاعدة الصلاح في قضية حياته. وإذا كانت القضية في هذا المستوى الخطير من النتائج السلبية على الرسالة والإنسان ، فمن الطبيعي أن يكون القائمون على هذه الجريمة في المستوى الكبير من درجات الاجرام. وقد اعتبر الله الفتنة عن الدين أشد من القتل وأكبر منه ، كما في قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ١٩١]. وقد أفسح الله لهؤلاء المجرمين المجال الواسع للتوبة ، بالعودة إليه والانفتاح على الإيمان عقيدة وعملا ، كما أفسح لكل العصاة أن يرجعوا إليه. فإن تابوا ، فإنه التواب الرحيم.
أمّا الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) ، فذلك هو جزاؤهم العادل ، بعد إقامة الحجة عليهم من الله ورسله.