في أجواء السورة
وهذه سورة مكية تبدأ بالقسم بالسماء وبالنجم الثاقب الذي عبّرت عنه بالطارق ، في ما يمكن أن يهزّ المشاعر بموسيقاه الحادّة. ثم تؤكد الحقيقة التي جاء القسم لتقريرها وإثباتها وهي الرقابة على كل نفس من خلال الحافظ الذي يحفظ عليها أعمالها ، ثم تلتفت إلى سرّ الخلق الإنساني لتطلب من الإنسان النظر إلى طبيعة الماء الدافق الذي (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) ، فهو المادّة الأولى التي خلق منها ، ليفكر في طبيعتها ، وفي الأسرار المودعة فيها ، ليعرف أسرار العظمة الإلهية التي أبدعت من هذا الماء إنسانا ، من دون أن يكون فيه شيء يوحي بذلك ، لينتقل من هذه الحقيقة إلى حقيقة إيمانية مفادها أن الله قادر على إرجاعه إلى الحياة بعد الموت ، حيث يقف هناك بإنسانيته التي لا تملك الحفاظ على أسرارها ، لأن السرائر سوف تتمزق ولا يبقى هناك ما يسترها ، كما لا يملك الإنسان أيّة قوّة ذاتية يدافع بها عن نفسه ، كما لا يملك أيّ ناصر ينصرها من عذاب الله ، فليعرف كيف يوثق علاقته بربه ليحمي نفسه بذلك من عذابه.
وتعود السورة إلى القسم بالسماء ذات الرّجع ، وهو المطر الذي ترجع به السماء مرّة من بعد مرّة ، وبالأرض ذات الصدع ، وهو النبت الذي يشقّ الأرض وينبثق منها ، لتؤكد بالقسم ، القول الفصل الحاسم الذي لا يوحي بالهزل. فليفهم الكافرون الذين يكيدون للمؤمنين ويكيد الله لهم ، وليأخذوا مهلتهم ، فلن يفوتهم عذاب الله.
* * *