الساحر ينطلق ، في موقعه ، من خلال اللعبة الفنية التي يتحرك فيها ، ثم تنتهي الإثارة مع انتهاء المشهد. أمّا الإله ، فهو الذي ينطلق من الأسرار الخفية في ذاته ، ومن المعاني الغيبية في قدرته ، لترتبط به قضايا الناس ومصالحهم ومعاشهم. إذا ، لا مجال للمقارنة.
ولكن فرعون لم يصل إلى هدفه ، فقد آمن السحرة بموسى عليهالسلام ، وفشلت كل خططه في تدمير القوّة الروحيّة التي يتحرك بها موسى عليهالسلام في ساحة الدعوة إلى الله ، وانقلب الأمر إلى عكس الخطة ، فقد ربح موسى عليهالسلام معركة ردّ التحدي في المشهد المثير بسجود السحرة لله عزوجل ، مما ترك تأثيره على الجماهير هناك ، وأتاح له الفرصة لأن تعرفه الناس في الاجتماع العام ، بعد أن كانت الفرص معدومة أمامه.
وهكذا امتد الصراع ، وأخذ موسى عليهالسلام موقع القوّة ، وخرج بقومه لينأى بهم عن سيطرة فرعون ، وليؤكد قوّة الرسالة في مواقع جديدة ، وعلى أساس القاعدة الإيمانية التي توجّه المستضعفين إلى البحث عن أرض أخرى يهاجرون إليها ليصنعوا فيها القوّة ، إذا لم يستطيعوا الأخذ بأسباب القوة في أرضهم التي يعيشون عليها ، ليرجعوا إليها بعد ذلك في قوّة جديدة للصراع وللتغيير. ولكن فرعون ظل مصرّا على ملاحقة موسى عليهالسلام وقومه ، للتضييق على هذه الحركة الخطرة على سلطانه ، ولقتل موسى عليهالسلام ، وتصفية أتباعه في نهاية المطاف.
(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) والظاهر أن المراد بالأخذ المعنى الكنائي المعبّر عن الإهلاك والتعذيب في الدنيا والآخرة ، وأما عذاب الأولى ، فهو عذاب جهنم الذي يأتي بعد الموت .. وهذا ما يراد من كلمة «النكال» التي تعني العذاب الذي يردع من سمعه عن تعاطي مثله لفظاعته وشدّته.
* * *