الكندي ، عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة (١) فأسلمني الكتّاب ، فكنت أختلف ومعي غلامان ، فإذا رجعا دخلا على راهب أو قسّ ، فدخلت معهما ، فقال لهما ألم أنهكما أن تدخلا عليّ أحدا ، فكنت أختلف حتى كنت أحبّ إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إنّي أحبّ أن أخرج من هذه الأرض. قلت : وأنا معك ، فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر قال : احفر عند رأسي ، فحفرت فاستخرجت جرّة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري ، فجعل يضرب بيده على صدره ويقول : ويل للقنّائين! قال : ومات فاجتمع القسّيسون والرّهبان ، هممت أن أحتمل المال ، ثمّ إنّ الله عصمني ، فقلت للرّهبان ، فوثب شباب من أهل القرية ، فقالوا : هذا مال أبينا كانت سريّته تختلف إليه ، فقلت لأولئك : دلّوني على عالم أكون معه ، قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص ، فأتيته فقال : ما جاء بك إلّا طلب العلم. قلت : نعم. قال : فإنّي لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كلّ سنة في هذا الشّهر ، فانطلقت فوجدت حماره واقفا ، فقصصت عليه ، فقال : اجلس هاهنا حتى أرجع إليك ، فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل فقال : وإنّك لهاهنا بعد؟ قلت : نعم ، قال : فإنّي لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبيّ وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النّبوّة ، ولا يأكل الصّدقة ، ويأكل الهديّة. وذكر الحديث (٢).
__________________
= وهو عمرو بن محمد العنقزي ، وقال : أظن أنه نسبه إلى العنقز وهو الشاهسفرم لأنه كان يبيعه أو يزرعه.
(١) الأساورة : جمع إسوار ، أو سوار ، وهو في اصطلاح الفرس : القائد أو الرئيس ، وهم قوم من الفرس ، ربّما كانوا قوّادا قبل ابتداء الدولة الساسانية فلقّبوا بذلك إمّا لكونهم كانوا حماة الحرب مخصوصين بقيادة الجيش أو لأنهم كانوا في مجلس الطبقة الأولى من أصحاب الرّتب يجلسون مع أبناء الملوك عن يمين الملك ... ونهر الأساورة بالبصرة منسوب إليهم لأن قوما منهم نزلوا البصرة وحفروه. (دائرة معارف البستاني ٤ / ٤٢١).
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٨١ ، ٨٢ ، وأحمد في المسند ٥ / ٤٣٨ ، والطبراني في المعجم