البلاد ، وأشار إلى مكة واليمن ، قالوا : ومتى نراه؟ قال ، فنظر إليّ وأنا حدث فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه ، قال سلمة : فو الله ما ذهب اللّيل والنّهار حتى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم وهو حيّ بين أظهرنا ، فآمنّا به وكفر به بغيا وحسدا ، فقلنا له : ويحك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت! قال : بلى ، ولكن ليس به (١).
حدّثني (٢) عاصم بن عمر ، عن شيخ من بني قريظة قال لي : هل تدري عمّ كان الإسلام لثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، نفر من إخوة بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليّتهم ، ثم كانوا سادتهم في الإسلام؟ قلت : لا والله ، قال : إنّ رجلا من يهود الشام يقال له ابن الهيّبان (٣) قدم علينا قبل الإسلام بسنين ، فحلّ بين أظهرنا ، والله ما رأينا رجلا قطّ لا يصلّي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا فكان إذا قحط عنّا المطر يأمرنا بالصّدقة ويستسقي لنا ، فو الله ما يبرح من مجلسه حتى نسقي ، قد فعل ذلك غير مرّتين (٤) ولا ثلاث ، ثم حضرته الوفاة ، فلمّا عرف أنّه ميّت قال : يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر (٥) والخمير ، إلى أرض البؤس؟ قلنا : أنت أعلم ، قال : إنّما قدمت أتوكّف (٦) خروج نبيّ قد أظلّ زمانه ، وهذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، وقد أظلّكم زمانه ، فلا تسبقنّ إليه يا معشر يهود ، فإنّه يبعث بسفك الدّماء وسبي الذّراريّ والنّساء ممّن خالفه ، فلا يمنعنكم ذلك منه.
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، عيون الأثر ١ / ٥٦ ، ٥٧.
(٢) القائل هو ابن إسحاق.
(٣) في الأصل «التيهان» ، والتصحيح من سيرة ابن هشام ، والروض الأنف ١ / ٢٤٦ ، وعيون الأثر ١ / ٥٨ ، ونهاية الأرب ١٦ / ١٤٤ وهو بفتح الهاء وكسر الياء المشدّدة وفتح الباء.
(٤) في السيرة وغيرها «غير مرّة ولا مرّتين ولا ثلاث».
(٥) في السيرة الحلبية ١ / ١٨٥ «من أهل الخمر» بالتحريك ، وبإسكان الميم ، وهو الشجر الملتفّ».
(٦) أتوقّع.