تتحنّث به قريش في الجاهلية. والتحنّث التبرّر.
قال ابن إسحاق (١) : فكان يجاور ذلك في كلّ سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى جواره من شهره ، كان أول ما يبدأ به الكعبة ، فيطوف ثم يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الّذي أراد الله كرامته ، وذلك الشهر رمضان ، خرج صلىاللهعليهوسلم إلى حراء ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جاءني وأنا نائم بنمط (٢) من ديباج فيه كتاب ، فقال : اقرأ ، قلت : ما أقرأ؟ قال : فغتّني (٣) به حتى ظننت أنّه الموت ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : وما أقرأ؟ فغتّني حتى ظننت أنّه الموت ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، قلت : وما أقرأ؟ ما أقول ذلك إلّا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ، فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) إلى قوله (ما لَمْ يَعْلَمْ) (٤) ، فقرأتها ثم انتهى عنّي ، وهببت من نومي ، فكأنّما كتبت في قلبي كتابا.
في هذا المكان زيادة ، زادها يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، وهي : ولم يكن في خلق الله أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أن انظر إليهما ، فقلت : إنّ الأبعد ، يعني نفسه ، لشاعر أو مجنون ، ثم قلت : لا تحدّث عنّي قريش بهذا أبدا ، لأعمدنّ إلى حالق من الجبل ، فلأطرحنّ نفسي فلأستريحنّ ، فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل ، سمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل ، فرفعت
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٢٦٨.
(٢) النمط : ضرب من البسط له حمل رقيق ، لا يكادون يقولون (نمط) إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة. (لسان العرب).
(٣) كأنه أراد عصرني عصرا شديدا حتى وجدت منه المشقّة. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير).
(٤) سورة العلق ـ الآيات ١ ـ ٥.
(٥) سيرة ابن هشام ١ / ٢٦٩.