المؤمنين حدّثتني أنّ أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلّا النّجاشيّ ، وكان للنّجاشيّ عمّ من صلبه اثنا عشر رجلا ، فقالت الحبشة : لو أنّا قتلنا هذا وملّكنا أخاه ، فإنّه لا ولد له غير هذا الغلام ، ولأخيه اثنا عشر ولدا ، فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا ، فغدوا على أبي النّجاشيّ فقتلوه ، وملّكوا أخاه. فمكثوا حينا ، ونشأ النّجاشيّ مع عمّه ، فكان لبيبا حازما ، فغلب على أمر عمّه ، ونزل منه بكلّ منزلة ، فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها : والله لقد غلب هذا على عمّه ، وإنّا لنتخوّف أن يملّكه علينا ، وإن ملك ليقتلنا بأبيه ، فكلّموا الملك (١) ، فقال : ويلكم ، قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم ، قالت : فخرجوا به فباعوه لتاجر (٢) بستّمائة درهم ، فقذفه في سفينة وانطلق به ، حتى إذا كان آخر النّهار ، هاجت سحابة ، فخرج عمّه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته ، ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمق ليس في ولده خير ، فمزج الأمر ، فقالوا : تعلّموا ، والله إنّ ملككم الّذي لا يقيم أمركم غيره للّذي بعتموه غدوة (٣) ، فخرجوا في طلبه فأدركوه ، وأخذوه من التّاجر ، ثم جاءوا به فعقدوا عليه التّاج ، وأقعدوه على سرير ملكه ، فجاء التّاجر فقال : ما لي ، قالوا : لا نعطيك شيئا ، فكلّمه ، فأمرهم فقال : أعطوه دراهمه أو عبده ، قالوا : بل نعطيه دراهمه ، فكان ذلك أول ما خبر من عدله ، رضياللهعنه (٤).
وروى يزيد بن رومان ، عن عروة قال : إنّما كان يكلّم النّجاشيّ عثمان بن عفّان رضياللهعنه (٥).
__________________
(١) أي في قتله.
(٢) من بني ضمرة. (الجواهر الحسان في تاريخ الحبشان).
(٣) وهو أصحمة.
(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٩ ـ ٩٠ ، السير والمغازي ٢١٦ ـ ٢١٧ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٧٦ ، دلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٨٣ ـ ٨٤ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢.
(٥) المغازي لعروة ١١١.