فأخذ النّجاشيّ عودا ثم قال : ما عدا عيسى ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته حوله فقال : وإن نخرتم ، والله ، اذهبوا فأنتم سيوم (١) بأرضي ـ والسّيوم : الآمنون ـ من سبّكم غرم ، ما أحبّ أن لي دبرا (٢) من ذهب ، وأنّي آذيت رجلا منكم ، ردّوا هداياهما فلا حاجة لي فيها ، فو الله ما أخذ الله منّي الرّشوة حين ردّ عليّ ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع النّاس فيّ فأطيعهم فيه ، قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به (٣).
قالت : فإنّا على ذلك ، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه ، فو الله ما علمنا حزنا قد كان أشدّ علينا من حزن حزنّاه عند ذلك ، تخوّفا أن يظهر ذلك الرجل على النّجاشيّ ، فيأتي رجل لا يعرف من حقّنا ما كان النّجاشيّ يعرف منه. فسار إليه النّجاشيّ ، وكان بينهما عرض النّيل ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من رجل يخرج حتى يحضر الوقعة ، ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزّبير : أنا ، فنفخوا له قرية ، فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النّيل التي بها يلتقي القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم ، ودعونا الله تعالى للنّجاشيّ ، فإنّا لعلى ذلك ، إذ طلع الزّبير يسعى فلمع بثوبه ، وهو يقول : ألا أبشروا ، فقد ظهر النّجاشيّ ، وقد أهلك الله عدوّه ومكّن له في بلاده (٤).
قال الزّهريّ : فحدّثت عروة بن الزّبير هذا الحديث فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ الله منّي الرّشوة إلى آخره؟ قلت : لا ، قال : فإنّ عائشة أمّ
__________________
(١) وفي رواية (شيوم). انظر السيرة ٢ / ٨٨ ، وفي المغازي لعروة ١١٣ كما هنا ، وكذلك في دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٧٤ ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٨٣.
(٢) الدبر : الجبل.
(٣) انظر تاريخ الطبري ٢ / ٣٣٥.
(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٧ ـ ٨٩ ، السير والمغازي ٢١٣ ـ ٢١٦ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٤٧ ـ ٢٥٠ ، دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٧٢ ـ ٧٤ دلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٨١ ـ ٨٣.