عبد الأشهل ـ وهم من الأوس ـ أسيد بن حضير ، وأبو الهيثم بن التّيهان (١) ، قال : فأخذ البراء بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضرب عليها ، وكان أول من بايع ، وتتابع النّاس فبايعوا ، فصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ (٢) صوت سمعته قطّ ، فقال : يا أهل الجباجب (٣) هل لكم في مذمّم والصّبأة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا أزب (٤) العقبة ، هذا ابن أزيب ، أما والله لأفرغنّ لك ، ارفضّوا إلى رحالكم». فقال العبّاس بن عبادة أخو بني سالم : يا رسول الله : والّذي بعثك بالحقّ لئن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا ، فقال : «إنّا لم نؤمر بذلك» فرحنا إلى رحالنا فاضطجعنا ، فلمّا أصبحنا ، أقبلت جلّة من قريش فيهم الحارث بن هشام ، فتى شابّ وعليه نعلان له جديدتان ، فقالوا : يا معشر الخزرج إنّه قد بلغنا أنّكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا ، وإنّه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم ، فانبعث من هناك من قومنا من المشركين يحلفون لهم بالله ، ما كان من هذا من شيء ، وما فعلنا ، فلمّا تثور القوم لينطلقوا قلت كلمة كأنّي أشركهم في الكلام : يا أبا جابر ـ يريد عبد الله ابن عمرو ـ أنت سيّد من سادتنا وكهل من كهولنا ، لا تستطيع أن تتّخذ مثل نعلي هذا الفتى من قريش ، فسمعه الحارث ، فرمى بهما إليّ وقال : والله لتلبسنّهما ، فقال أبو جابر : مهلا أحفظت لعمر الله الرجل ـ يقول : أخجلته (٥) ـ أردد عليه نعليه ، فقلت : لا والله لا أردّهما ، فأل صالح إنّي لأرجو أن أسلبه (٦).
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٨٩ ـ ١٩١.
(٢) في حاشية الأصل : (في خ بأبعد).
(٣) يعني منازل منى ، (عيون الأثر ١ / ١٧٢).
(٤) شيطان.
(٥) لعلّ الصواب : (أغضبته) ، على ما في المراجع اللغوية.
(٦) في دلائل النبوّة للبيهقي : (أستلبه) ، وفي سيرة ابن هشام ٢ / ١٩٢ «لأسلبنّه». وكذا في تاريخ الطبري ٢ / ٣٦٣ ـ ٣٦٥.