فوضع يده عليه فقال : لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن ، في هذا بلاغ لكم ، قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكنّي أردت أن أسكّن الشيخ (١).
وحدّثني الزّهريّ ، أنّ عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدّثه ، عن أبيه ، عن عمّه سراقة بن مالك بن جعشم قال : لمّا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة مهاجرا ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن ردّه ، قال : فبينا أنا جالس أقبل رجل منّا فقال : والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مرّوا عليّ آنفا ، إنّي لأراهم محمدا وأصحابه ، فأومأت إليه ، يعني أن اسكت ، ثم قلت : إنّما هم بنو فلان يبتغون ضالّة لهم ، قال : لعلّه ، قال : فمكثت قليلا ، ثمّ قمت فدخلت بيتي ، فذكر نحو ما تقدّم (٢).
قال : وحدّثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت : فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى أقبل رجل من الجنّ من أسفل مكة يتغنّى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإنّ النّاس ليتبعونه ، ويسمعون صوته ، حتى خرج من أعلى مكة ، وهو يقول :
جزى الله ربّ النّاس خير جزائه |
|
رفيقين حلّا (٣) خيمتي أمّ معبد (٤) |
هما نزلا بالبرّ ثمّ تروّحا (٥) |
|
فأفلح (٦) من أمسى رفيق محمد |
ليهن بني كعب مكان فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٢٥.
(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(٣) في الرواية التي أوردها المؤلّف في باب الشمائل النبويّة (قالا) بدل (حلا) وكذلك في الدرر في المغازي والسير للحافظ ابن عبد البرّ) وفيه ألفاظ تخالف ما هنا.
(٤) هي عاتكة بنت خالد الخزاعية.
(٥) هكذا في الأصل والسيرة ، وفي طبقات ابن سعد ، ونهاية الأرب «وارتحلا به».
(٦) في الطبقات «فقد فاز».