فشرب ، فقال الرّاعي : بالله من أنت ، فو الله ما رأيت مثلك قطّ؟ قال : «أتكتم عليّ حتى أخبرك»؟ ، قال : نعم ، قال : فإنّي محمد رسول الله ، فقال : أنت الّذي تزعم قريش أنّه صابئ ، قال : «إنّهم ليقولون ذلك» ، قال : فأشهد أنّك نبيّ ، وأشهد أنّ ما جئت به حقّ ، وأنّه لا يفعل ما فعلت إلّا نبيّ ، وأنا متّبعك ، قال : «إنّك لن تستطيع ذلك يومك ، فإذا بلغك أنّي قد ظهرت فائتنا».
وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : فحدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عروة بن الزّبير ، عن عبد الرحمن بن عويم (١) بن ساعدة ، عن رجال من قومه ، قالوا : لمّا بلغنا مخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة ، كنّا نخرج كلّ غداة فنجلس له بظاهر الحرّة ، نلجأ إلى ظلّ الجدر حتى تغلبنا عليه الشمس ، ثمّ نرجع إلى رحالنا ، حتى إذا كان اليوم الّذي جاء فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، جلسنا كما كنّا نجلس ، حتى إذا رجعنا جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرآه رجل من يهود ، فنادى : يا بني قيلة هذا جدّكم قد جاء ، فخرجنا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أناخ إلى ظلّ هو وأبو بكر ، والله ما ندري أيّهما أسنّ ، هما في سنّ واحدة ، حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظّلّ ، فعرفنا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وقد قال قائل منهم : إنّ أبا بكر قام فأظلّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بردائه ، فعرفناه (٢).
وقال محمد بن حمير ، عن إبراهيم بن أبي عبلة : حدّثني عقبة بن وسّاج ، عن أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قدم ، يعني المدينة ، وليس في أصحابه أشمط (٣) غير أبي بكر ، فغلّفها بالحنّاء والكتم. أخرجه
__________________
(١) في سيرة ابن هشام «عويمر».
(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.
(٣) الأشمط : هو الّذي خالط شعره الأسود بياض.