قال يحيى بن أبي زائدة : قال محمد بن إسحاق (١) ، عن جهم بن أبي جهم ، عن عبد الله بن جعفر ، عن حليمة بنت الحارث (٢) أمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم السّعديّة قالت : «خرجت في نسوة نلتمس الرّضعاء بمكة على أتان لي قمراء (٣) قد أذمّت (٤) بالرّكب ، وخرجنا في سنة شهباء (٥) لم تبق شيئا ، ومعنا شارف لنا (٦) ، والله إن تبضّ (٧) علينا بقطرة ، ومعي صبيّ لي لا ننام ليلنا مع بكائه ، فلما قدمنا مكة لم يبق منّا امرأة إلّا عرض عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتأباه ، وإنّما كنّا نرجو كرامة رضاعة من أبيه ، وكان يتيما ، فلم يبق من صواحبي امرأة إلّا أخذت صبيّا ، غيري. فقلت لزوجي : لأرجعنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه ، فأتيته فأخذته ، فقال زوجي : عسى الله أن يجعل فيه خيرا. قالت : فو الله ما هو إلّا أن جعلته في حجري فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللّبن ، فشرب وشرب أخوه حتى رويا ، وقام زوجي إلي شارفنا من الليل ، فإذا بها حافل ، فحلب وشربنا حتى روينا ، فبتنا شباعا رواء ، وقد نام صبياننا ، قال أبوه : والله يا حليمة ما أراك إلّا قد أصبت نسمة مباركة ، ثم خرجنا ، فو الله لخرجت أتاني أمام الرّكب قد قطعتهنّ حتى ما يتعلّق بها أحد ، فقدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر ، فقدمنا على أجدب أرض الله ، فو الّذي نفسي بيده إن كانوا ليسرّحون أغنامهم ويسرّح راعيّ غنمي ، فتروح غنمي بطانا لبّنا حلّا ، وتروح أغنامهم جياعا ، فيقولون لرعاتهم : ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟ فيسرحون في الشّعب الّذي يسرح فيه
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ١٨٤.
(٢) هي حليمة بنت عبد الله بن الحارث.
(٣) شديدة البياض.
(٤) أذمّت بالركب : أي حبستهم ، وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف ، أي جاءت بما تذمّ عليه.
(٥) سنة شهباء : أي سنة قحط وجدب.
(٦) الشارف : الناقة المسنّة.
(٧) تبضّ : ترشح.