فكشف عن وجهه ، ثمّ أكبّ عليه يقبّله ، ثمّ بكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا ، أمّا الموتة التي كتبت عليك فقد متّها (١). وحدّثني (٢) أبو سلمة ، عن ابن عبّاس ، أنّ أبا بكر خرج وعمر يكلّم النّاس فقال : اجلس يا عمر ، فأبى ، فقال : اجلس ، فأبى ، فتشهّد أبو بكر ، فأقبل النّاس إليه ، وتركوا عمر ، فقال أبو بكر : أمّا بعد ، فمن كان منكم يعبد محمّدا فإنّه قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، قال الله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (٣) الآية ، فكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقّاها منه النّاس كلّهم ، فما أسمع بشرا من النّاس إلّا يتلوها (٤). وأخبرني سعيد بن المسيّب أنّ عمر قال : والله ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها ففرقت ، أو قال فعقرت (٥) حتّى ما تقلّني رجلاي ، وحتّى إنّي أهويت إلى الأرض ، وعرفت حين تلاها أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد مات. أخرجه البخاريّ (٦).
وقال يزيد بن الهاد : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن
__________________
(١) إلى هنا تنتهي رواية ابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٣٨٥.
(٢) القائل هو الزهري كما في صحيح البخاري.
(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.
(٤) حتى هنا في الجنائز عند البخاري ٢ / ٧٠ ، ٧١ باب الدخول على الميّت ..
(٥) العقر بفتحتين : أن يفجأ الرحل الروع فيدهش ، فلا يستطيع أن يتقدّم أو يتأخر ، وقيل : لا تحمله قوائمه من الخوف ، على ما في (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى للمحبّ للطبري ص ١٩٠). وفي رواية (فعقرت) بضمّ العين ، أي هلكت ، على ما في (إرشاد السّاري ٥ / ١٤٣).
(٦) في الجنائز ٢ / ٧٠ ، ٧١ باب الدخول على الميّت بعد الموت .. ، وفي المغازي ٥ / ١٤٢ ، ١٤٣ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، والنسائي في الجنائز ٤ / ١١ باب تقبيل الميت ، وأحمد في المسند ٦ / ١١٧.