عائشة قالت : توفّي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين حاقنتي وذاقنتي (١) ، فلا أكره شدّة الموت لأحد أبدا ، بعد ما رأيت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم. حديث صحيح (٢).
وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : كان أسامة بن زيد قد تجهّز للغزو وخرج ثقله (٣) إلي الجرف (٤) فأقام تلك الأيام لوجع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان قد أمّره على جيش عامّتهم المهاجرون ، وفيهم عمر ، وأمره أن يغير على أهل مؤتة ، وعلى جانب فلسطين ، حيث أصيب أبوه زيد ، فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جذع في المسجد ، يعني صبيحة الاثنين ، واجتمع المسلمون يسلّمون عليه ويدعون له بالعافية ، فدعا أسامة فقال : «أغد على بركة الله والنّصر والعافية» ، قال : بأبي أنت يا رسول الله ، قد أصبحت مفيقا ، وأرجو أن يكون الله قد شفاك ، فأذن لي أن أمكث حتى يشفيك الله ، فإن أنا خرجت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة من شأنك ، وأكره أن أسأل عنك النّاس ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يراجعه ، وقام فدخل بيت عائشة ، وهو يومها ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة ، فقال : قد أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مفيقا ، وأرجو أن يكون الله قد شفاه ، ثم ركب أبو بكر فلحق بأهله بالسّنح ، وهنالك امرأته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاريّ ، وانقلبت كلّ امرأة من نساء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى بيتها ، وذلك يوم الاثنين.
ولما استقرّ صلىاللهعليهوسلم ببيت عائشة وعك أشدّ الوعك ، واجتمع إليه نساؤه ، واشتدّ وجعه ، فلم يزل بذلك حتّى زاغت الشمس ، وزعموا أنّه كان يغشى
__________________
(١) الحاقنة : الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق. والذاقنة : الذقن.
(٢) رواه البخاري في المغازي ٥ / ١٤٠ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، والنسائي في الجنائز ٤ / ٦ ، ٧ باب شدّة الموت ، وأحمد في المسند ٦ / ٦٤ و ٧٧.
(٣) الثقل : بفتح الثاء والقاف.
(٤) الجرف : بضم الجيم ، وسكون الراء أو ضمّها. موضع قرب المدينة يعسكرون فيه إذا أرادوا الغزو.