يانوف ، درهم ودرهم ، وثوب وثوب ، وإلاّ فلا ، شيعتي من لم يهر هرير الكلاب ، ولم يطمع طمع الغراب ، ولم يسأل الناس ولو مات جوعاً ، إن رأى مؤمناً أكرمه ، وإن رأى فاسقاً هجره هؤلاء ـ والله يانوف ـ شيعتي ، شرورهم مأمونه ، وقلوبهم محزونة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، اختلفت بهم الأبدان ولم تختلف قلوبهم.
قال : قلت : يا أمير المؤمنين ـ جعلني الله فداك ـ أين أطلب هؤلاء؟
قال : فقال لي : « في أطراف الأرض.
يا نوف ، يجيء النبي صلىاللهعليهوآله يوم القيامة آخذاً بحجزة ربه جلّت اسماؤه ـ يعني بحبل الدين وحجزة الدين ـ وأنا اخذ بحجزته ، وأهل بيتي اخذون بحجزتي ، وشيعتنا اخذون بحجزتنا ، فإلى أين؟ إلى الجنة ورب الكعبة ـ قالها ثلاثاـ » (١)
عن نوف البكالي ، قال : عرضت لي إلى أمير المؤمنين عليهالسلام حاجة ، فاستسعيت إليه جندب بن زهير والربيع بن خيثم وابن أخيه همام بن عبادة ، وكان من أصحاب البرانس ، فأقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين ، فألفيناه حين خرج إلى المسجد ، فأفضى ونحن معه إلى نفر قد أفاضوا في الأحدوثات تفكهاً ، فلما أشرف لهم أسرعوا إليه قياماً ، فسلموا فرد التحية ثم قال : « من القوم؟ ».
قالوا : اُناس من شيعتك ، يا أمير المؤمنين.
فقال لهم خيرا ، ثم قال : « يا هؤلاء ، مالي لا أرى فيكم سمة الشيعة وحليتهم؟ » فأمسك القوم حياء ، قال نوف : فأقبل عليه جندب والربيع فقالا : ما سمة شيعتكم ، يا أمير المؤمنين؟ فتثاقل عن جوابهما وقال : « اتقيا الله ـ أيها الرجلان ـ وأحسنا ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » فقال همام بن عبادة ـ وكان عابداً متزهداً مجتهداً ـ : أسألك بالذي أكرمكم ـ أهل البيت ـ وخصكم وحباكم وفضلكم تفضيلاً لما انبأتنا بصفة شيعتكم؟
فقال : « لا تقسم فسأنبئكم جميعاً » وأخذ بيد همام فدخل المسجد فصلى ركعتين أوجزهما وأكملهما ، ثم جلس وأقبل علينا ، وحف القوم به ، فحمد الله وأثنى
__________________
١ ـ رواه الكراجكي مسنداً في كنز الفوائد : ٣٠.