« خلقنا من طينة ، وخلق شيعتنا من فضل طينتنا ، فإذا [ كان يوم القيامة ] (١) الحقوا بنا ».
فقلت : يا أمير المؤمنين ، صف لي شيعتك ، فبكى عليهالسلام ، ثم قال : « شيعتي ـ والله ـ الحلماء الحكماء ، العلماء بالله وبدينه ، العاملون بأمره ، المهتدون بطاعته ، أحلاس عبادة ، وانضاء زهادة ، صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، مصابيح كل ظلمة ، وربحان كل قبيله ، تعرف الزهادة من سيماهم ، والرهبانية في وجوههم ، لا يسبون من المسلمين خلقاً ، ولا يقتفون منهم اثرا ، شرورهم مأمونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، وقلوبهم محزونة ، فهم الأكايس (٢) الألباء ، الخلصاء النجباء ، الرّواعون فراراً بدينهم ، الذين إنشهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، اولئك شيعتي الأطيبون ، وإخواني الأكرمون ، ألا ، ها شوقاً إلى رؤيتهم » (٣).
وروى عبد الله بن عباس ، قال لي الحسين بن علي عليهماالسلام : « يا بن عباس ، لا تتكلمن بما لا يعنيك فإنني أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن بما يعنيك حتى ترى له موضعاً ، فربّ متكلم قد تكلم بحق فعيب ، ولا تمارين حليماً ولا سفيهاً ، فإن الحليم يقليك ، والسفيه يرديك ، ولا تقولن خلف أحد إذا توارى عنك ، إلاّ مثل ما تحب أن يقول عنك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل عبد يعلم أنه مأخوذ بالإجرام مجزي بالأحسان ، والسلام » (٤).
وقال علي بن الحسين : « إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فما كل من تسمعه نكراَ ، يمكنك أن توسعه عذراً ».
وروي أن بعض الأنصار حضرته الوفاة ، فأوصى ولداً له فقال : يا بني ، احفظ وصيتي ، فإنك إن لم تحفظها مني ، كنت خليقاً أن لاتحفظها من غيري.
يا بني ، اتق الله ، وإن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك أمس ، وغداً خيراً منك اليوم ، وإن عثر عاثر من الناس فاحمد الله أن لا تكونه ، وإياك والطمع فإنه فقر
__________________
١ ـ أثبتناه من تنبيه الخواطر.
٢ ـ الأكياس ، من الكيس : وهو العقل والفطنة « القاموس المحيط ـ كيس ـ ٢ : ٢٤٧ ».
٣ ـ تنبيه الخواطر ٢ : ٧٠ ، باختلاف يسير.
٤ ـ كنز الفوائد : ١٩٤.