الغائط متقنّعاً بثوبي استحياءً من الملائكة الذين معي.
يا أباذر ، أتحب أن تدخل الجنة؟
قلت : نعم ، فداك أبي واُمي.
قال : اقصر من الأمل ، واجعل الموت نصب عينك ، واستحي من الله حق الحياء.
قلت : يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله.
قال : ليس كذلك الحياء ، ولكن الحياء من الله أن لا تنسى الموت والمقابر والبلى ، وتحفظ الجوف وما وعى ، والرأس وما حوى ، فمن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا ، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله عز وجل.
يا أباذر ، يكفي من الدعاء مع البر كما يكفي الطعام من الملح.
يا أباذر ، مثل الذي يدعو بغيرعمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.
يا أباذر ، إن الله تعالى يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه الله في دويرته والدور التي حوله مادام فيهم.
يا أباذر ، إن ربكم عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر :
رجل يصبح في أرض قفر ، فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول ربك عز وجل للملائكة : اُنظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملكاً يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم.
ورجل قام من الليل يصلي وحده ، فسجد ونام وهوساجد ، فيقول : اُنظروا إلى عبدي ، روحه عندي وجسده ساجد.
ورجل في زحف ، فيفر أصحابه ويثبت وهو يقاتل حتى قتل.
يا أباذر ، مامن رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض ، إلاّ شهدت له يوم القيامة ، وما بها من منزل ينزل قوم ، إلاّ أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
يا أباذر ، ما من صباح ولا رواح إلاّ وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً : ياجارة ، هل مربك ذاكر لله عزوجل ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة : نعم. فإذا قالت : نعم ، اهتزت وابتهجت ، وترى أن لها فضلاً على جارتها.
يا أباذر ، إن الله تعالى لما خلق الأرض وخلق مافيها (١) من الشجر ، لم يكن في
__________________
١ ـ في الأصل : ما بينهما ، وما أثبتناه من الأمالي.