يا أباذر ، إن سَرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإن سَرّك أن تكون أعز الناس فتوكل على الله ، وإن سَرّك أن تكون أكرم الناس فاتّقِ الله عز وجل ، وإن سَرّك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجلّ أوثق منك بما في يديك.
يا أباذر ، لوأن الناس كلهم أخذوا بهذه الاية لكفتهم : ( ومن يتق الله يجعل لهم خرجاً ، ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ) (١).
يا أباذر ، يقول الله تعالى : لا يؤثرعبد هواي على هواه ، إلا جعلت غناه في نفسه ، وهمومه في آخرته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكففت عليه صنعته (٢) ، وكنت له خيراً من تجارة كل تاجر.
يا أباذر ، لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت ، لأدركه رزقه كما يدركه الموت.
يا أباذر ، ألا اُعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟
قلت : بلى يا رسول الله.
فقال : احفظ الله يحفضك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى الله تعالى في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. ولو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك ماقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله تعالى بالرضا في اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فاصطبر فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً.
يا أباذر ، استغن بغنى الله يغنك الله.
قلت : وما هو يارسول الله؟ قال : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله ـ يا أباذر ـ فهو من أغنى الناس.
يا أباذر ، إن الله ـ جل ثناؤه ـ يقول : إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ، ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما اُحب وأرضى ، جعلت صمته حمداً لي
__________________
١ ـ الطلاق ٦٥ : ٢ ، ٣.
٢ ـ في المكارم : ضيقه ، وفي تنبيه الخواطر : ضيعته ، قال الطريحي في مجمع البحرين ـ كفف ـ ٥ : ١١٣ : وفي الحديث القدسي « ولا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته » كأن المعنى أغنيته فيها عن الحاجة إلى غيرها.