وروى علي بن عيسى ـ يرفعه ـ قال : إن موسى صلى الله عليه ناجاه الله تبارك وتعالى ، فقال له في مناجاته : يا موسى ، لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو قلبك ، وقاسي القلب مني بعيد ، وأمت قلبك بالخشية ، وكن خَلِق الثياب جديد القلب ، تخفى على أهل الأرضين وتعرف في أهل السماء ، جليس البيوت ، مصباح الليل ، واقنت بين يدي قنوت الصابرين ، وضج إلي من كثرة الذنوب ضجيج الهارب من عدوه ، واستعنبي على ذلك ، فإني نعم العون ونعم المستعان.
يا موسى ، إني [ أنا ] (١) الله فوق العباد والعباد دوني ، وكل لي داخرون ، فاتّهم نفسك على نفسك ، ولاتأمنن ولدك على دينك ، إلاّ أن يكون مثلك يحب الله تعالى
يا موسى ، واقترب من عبادي الصالحين.
اُوصيك ـ يا موسى ـ وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ، صاحب الأتان (٢) والبرنس ، والزيت والزيتون ، والمحراب. ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر ، الطيب الطاهر ، فمثَله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ، وأنه راكع ساجد راغب راهب ، إخوانه المساكين ، وأنصاره قوم اخرون ، ويكون في زمانه أزْل (٣) وزلزال وقمّل ، وقلة من المال ، وكذلك اسمه أحمد ومحمد الأمين من الباقين ، من ثلة الأولين والماضين ، يؤمن بالكتب كلها ، ويصدق جميع المرسلين ، ويشهد بالإخلاص لجميع المؤمنين ، اُمته مرحومة مباركة مابقوا في الدين على حقائقه ، لهم ساعات مؤنسات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته ، فَصَدِقْه ومنهاجَه فاتبع ، فإنه أخوك.
يا موسى ، إنه اُميّ ، وهو عبد صدق ، يبارك له فيما وضع يده ويبارك عليه ، كذلك كان في علمي ، وكذلك خلقته ، به أفتح (٤) الساعة ، وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمر بني اسرائيل ، أن لايدرسوا اسمه ، وأن لايخذلوه ، وإنهم لفاعلون! وحسبه فيحسبه ، (٥) وأنا معه ، وأنا من حزبه وهو من حزبي ، وحزبي هم الغالبون ، فتمّت كلماتي لاُظهرنّ دينه على الأديان كلها ، ولأعبدنّ بكل مكان ، ولانُزلن عليه فرقاناً
__________________
١ ـ أثبتناه من الكافي.
٢ ـ الأتان بالفتح : الانثى من الحمير « مجمع البحرين ـ أتن ـ ٦ : ١٩٧ ».
٣ ـ الأزل : الضيق والجدب والشدة « الصحاح ـ أزل ـ ٤ : ١٦٢٢ ».
٤ ـ في الأصل : ربما فتح ، وما أثبتناه من الكافي.
٥ ـ في الكافي وتنبيه الخواطر : وحبه لي حسنة.