ثم أهوال يوم القيامة ، فيصور في نفسه جهنم ودركها ومقامها ، أهوالها وأنواع ألعذاب فيها وقبح صورة الزبانية ، وأنه كلّما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ، وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وإذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لها تغيّضاًوزفيراً.
وإذا أرادوا أن ينظروا إلى الرجاء ، فلينظروا إلى الجنة ونعيمها ، وما أعدّ الله تعالى فيها من الملك الدائم ، والنعيم ، والحور ، واللذات ، [ فعليك بقراءة القرآن ] (١) والتفكر فيه ، فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال ، وفيه شفاء للعالمين ، وفيه ما يورث الخوف والرجاء ، والصبر والشكر ، وسائر الصفات ، وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة ، فينبغي أن يقرأه العبد ، ويردّد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى ، ولو مائة مرة فقراءة آية بتفكّر وتفهم خير من ألف اية بغير تفكر وتفهم ، وليتوقف في التأمل فيها ولو ليلة واحدة ، فإنّ تحت كل كلمة منها أسراراً لا تنحصر ، ولا يوقف عليها إلا بدقيق الفكر عن صفات القلب.
وكذلك مطالعة كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله فإنه قد أُوتي جوامع الكلم ، وكلّ كلمة من كلماته بحر من بحور الحكم ، وإذا تأملها العاقل ـ حق التأمل ـ لم ينقطع فيها نظره طول عمره ، وشرح الآيات والأخبار يطول. فانظر إلى قوله صلىاللهعليهوآله : « إن روح القدس نفث في روعي : أحبب ما أحببت فإنك مفارقه ، وعش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ». فهذه الكلمات جامعة حِكم الأولين والآخرين ، وهي كافية للمتأملين فيها ـ طول العمر ـ إذلو وقفوا على معانيها ، وغلبت قلوبهم عليه بيقين (٢) لاستغرقتهم ، وحال ذلك بينهم وبين التلفّت إلى الدنيا بالكلية ، فهذا طريق الفكر ، حتى يعم قلبه بالأخلاق المحمودة ، والمقامات الشريفة ، لتنزه باطنه وظاهره عن المكاره والرذائل ، لئلا يغفل عن صفات نفسه المبعدة من الله تعالى ، وأحواله المقربة إليه سبحانه وتعالى ، بل ينبغي أن يكون للأنسان جريدة (٣) يثبت فيها جملة الصفات المهلكات والصفات المنجيات ، وجملة المعاصي والطاعات ، ويعرض نفسه عليها كل يوم.
__________________
١ ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من تنبيه الخواطر.
٢ ـ في تنبيه الخواطر : وغلبت على قلوبهم غلبة يقين.
٣ ـ الجريدة : دفتر يكتب به « المعجم الوسيط ١ : ١١٦ ».