بذل نفسه ، فإنه لما كسر أصنام المشركين ، أضرموا له النار وحذفوه إليها في المنجنيق ، فعرض له جبرئيل عليهالسلام في الهواء فقال له : ألك حاجة يا خليل الرحمان؟ قال : إليك لا.
وأما بذله لولده ، فإنه أضجعه للذبح كما حكى الله تعالى بقوله : ( فلما أسلما وتلّه للجبين ) (١) أسلم إبراهيم ولده للذبح ، وأسلم إسماعيل نفسه.
وأما المال ، فإنه لما اتخذه الله خليلاً ، قالت الملائكة : إلهنا اتخذت بشراً من الآدميين خليلاً؟ قال سبحانه : إني اختبرته في نفسه فجاد بها ، وفي ولده فجاد به ، وقد بقي ماله ، فانزلوا الأرض فاختبروه فيه ، فنزل نفر من الملائكة في شبه البشر فعرضوا له وسلموا عليه وقالوا : يا خليل الرحمان ، إن نحن آمنا بك وصدقناك ، فما لنا عندك؟قال لي العصا ، ولكم الرعاء ـ يعنى ألأغنام ـ وكانت يومئذ كلاب غنمه إثنا عشر الف كلب فما ظنكم بغنم كلابها إثنا عشر ألف كلباً كم تكون!؟ فجاد بالنفس والمال والولد ، حتى قال الله تعال : ( وأبراهيم الذي وفى ) (٣) فصدق الله في شهادته له ببذله نفسه وماله وولده.
ونحن نرجو المنازل العالية ، ولا نعمل عمل أهلها ، وما ذاك إلا لترك الخوف والإفتكار فيما مضى من العمر في غير طاعة ، وإنما السلامة غداً للخائفين المشفقين الوجلين ، دل على ذلك القرآن المجيد ، بقوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) (٣) وبقوله تعالى : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) (٤) وبقوله تعالى : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم ) (٥) يعنى بقوله : ( مشفقين ) خائفين. ومدح سبحانه قوماً بقوله : ( يخافون يوماً كان شره مستطيراً ) (٦) وبقوله تعالى : ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ) (٧) يريد به أنه أنعم بالخوف
__________________
١ ـ الصافات ٣٧ : ١٠٣.
٢ ـ النجم ٥٣ : ٣٧.
٣ ـ الرحمن ٥٥ : ٤٦.
٤ ـ ابراهيم ١٤ : ١٤.
٥ ـ الطور ٥٢ : ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧.
٦ ـ الإنسان ٧ : ٧٦.
٧ ـ المائدة ٥ : ٢٣.