صلوات الله عليه واله : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا » وإنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحاً ، ويتدارك ما فرط من تقصير في فرائض الله ، ورد المظالم حبة بعد حبة ، ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده ويطيب قلوبهم ، حتى يتوب (١) ولم تبق عليه مظلومة ولا فريضة ، فهذا يدخل الجنة بلا حساب.
وإن مات قبل ذلك كان على أمر خطر من أهوال ذلك اليوم ، فنعوذ بالله منشر ذلك الموقف ، حين تتذكر ما أنذرك الله على لسان رسوله صلىاللهعليهوآله حين قال : ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وافئدتكم هواء ) (٢) فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم ، وما أشد حسرتك في ذلك اليوم إذا وقفبك على بساط العدل ، وقوبلت بميزان السياسة والعدل ، وأنت مفلس فقير عاجز مهين ، لا تقدر على أن ترد حقاً أو تقيم عذراً.
فدع التفكر فيما أنت مرتحل عنه ، واصرفه إلى مورده واحذره ، واجتهد فيما ينججك منه ، واستمع إلى قوله تعالى : ( وان منكم إلأ واردها كان على ربك حتمآَ مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً ) (٣) فإن كنت تعلم من نفسك التقوى ، فأنت من الناجين ، وإن لم تكن كذلك ، فأنت من الظالمين فيها جثياً ، فأشعر قلبك هول ذلك المورد ، فعساك تستعد للنجاة (٤) منه.
وتأمل في حال الخلائق ، وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا ، فبيناهم في كربها وأهوالها واقفون ينظرون حقيقة آياتها ، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ، وأظلت عليهم بادرات ، وسمعوا لها زفيراً وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ ، فعند ذلك أيقن المجرمون بالعقاب ، وجثت الاُمم على الركب ، حتى أشفق البراء من سوء المنقلب.
وخرج ملك من الزبانية ينادي : يافلان بن فلان ، المسوف نفسه في الدنيا بطول الأمل ، المضيع عمره في سوء العمل. فيبادرونه بمقامع حديد ، ويستقلبونه بعظائم
__________________
١ ـ في تنبيه الخواطر : يموت.
٢ ـ إبراهيم ١٤ : ٤٢ ، ٤٣.
٣ ـ مريم ١٩ : ٧١ ، ٧٢.
٤ ـ في الأصل : بالنجاة ، وما أثبتناه من تنبيه الخواطر.