فافٍّ لدنياً لا يدوم نعيمها |
|
تقلب بنا تاراتها (١) وتصرف |
ثم بكت ، فبكى لبكائها وقال :
إن للدهر دولة فاحذرنّها |
|
لا تبيتين قد أمنت الدهورا |
قد يبيت الفتى معافىً فيودي (٢) |
|
ولقد كان امناً مسروراً |
ثم قال : اذكري حاجتك يا سيدة العرب.
فقالت : بنو النعمان وأهله أجرهم على عوائدهم.
فقال لها : اذكري حاجتك لنفسك.
فقالت : خدم النعمان وعبيده وجواريه أجرِهم على عوائدهم.
فقال لها : اذكري حاجتك لنفسك خاصة.
فقالت له : يد الأمير بالعطية أطلق من لساني بالمسألة.
فأعطاها وأجزل ، فقالت له : شكرتك يد افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يداستغنت بعد فقر ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، وأصاب الله بمعروفك مواضعه ، ولا أخذ الله من كريم نعمة إلا وجعلك السبب في ردّها إليه.
فقال : اكتبوها في ديوان الحكمة.
فقالت : اكتبوها في ديوان الحكمة ، فإني رأيت قطع الأواخر يمنع شكر الأوائل.
وقال الصادق عليهالسلام : « ما توسل أحد اليّ بوسيلة ، أحب إليّ من إذكاري بنعمة سلفت مني إليه أعيدها إليه ».
ولقد صدق عليهالسلام ، فإن من أحسن خصال المعروف تربيته بإعادة الإفضال به ، وأعلم بأن أهل الفضل والشرف والرئاسة ، يرون أن معروفهم ديناً عليهم ، تتقاضاهم أبداً نفوسهم الشريفة الزكية بإعادته. وأهل الرذالة والنذالة والخساسة ، يرون معروفهم ديناً لهم ، تتقاضاهم نفوسهم الخبيثة بإعادته. وذاك أن أفعال الناس على قدر جواهرهم ، ولقد أحسن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله :
إذا شئت تعلم خير الفتى |
|
أدر لحظ طرفك في منظره |
فإن لم يبن لك في ذا وذا |
|
فلا تطلبن سوى محضره |
بيان الرجال بأفواهها |
|
بها يعرف النذل من خيره |
__________________
١ ـ التارات : جمع تارة وهي المرة ( الصحاح ـ تير ـ ٢ : ٦٠٣).
٢ ـ يودي : يهلك (الصحاح ـ ودى ـ ٦ : ٢٥٢١).