وروي أن ابا الهذيل (١) حضر عند أمير من أمراء البصرة ـ وكان قدرياً ـ وقد أوتي بطرار (٢) أسود أعور ، فقال له : كم يجب على هذا الطرار من سوط على طرارته؟قال له : ستون سوطاً.
فقال الأمير : إنما يقول الفقهاء عشرون سوطاً.
فقال : نعم ، عشرون سوطاً على طرارته ، وعشرون سوطاً على عوره ، وعشرون على سواده.
فقال الأمير : كيف تضربه على سواده وعوره؟ وقد خلقهما الله فيه ، وليسا من جنايته!
فقال له أبو الهذيل : وكذلك طرارته ، مخلوقة فيه على مذهبك ، إذا ضربته عليها وهي من خلق الله فيه ، فكذلك تضربه على سواده وعوره.
فقال الأمير : ما بيني وبين الحق عداوة. ثم رجع عن القول بالجبر على القبيح ودان بالعدل.
وروي أن شخصاً من أهل الإيمان والعلم وشى به رجل قدري إلى أمير من أمراء البصرة أيضا ـ وكان قدرياً ـ فقال له : إن هذا لا يرى ما يراه أهل العلى من أن أفعال العباد من الحسن والقبح من الله ، فأحضره الأمير وقال : إن هذا يقول فيك انك لا ترى أن العبد مجبور على فعل الحسن والقبيح.
فقال له المؤمن : أيها الأمير ، قد جعلتك بيني وبينه حكماً ، ثم التفت إلى القدري فقال له : ما تقول في كلمة العدل والإخلاص والتوحيد ، من قالها في الموحد؟ فقال : الله فقال : أصادق هو أم لا؟
فقال : بل صادق.
فقال له : فما تقول في كلمهّ الكفر والإلحاد ، من قالها في الملحد؟
قال : الله على مذهبه.
__________________
١ ـ هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، أبو الهذيل العبدي ، أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخ ألمعتزلة ، وكان شيخ البصريين في الإعتزال. ومن أكبر علمائهم ، وهو صاحب مقالات في مذهبهم ومجالس ومناظرات ، ولد سنة ١٣١ وقيل : ١٣٤ وقيل : ١٣٥ هـ ، وتوفي سنة ٢٣٥ هـ ، اُنظر « تاريخ بغداد ٣ : ٣٦٦ ، وفيات ألأعيان ٤ : ٢٦٥ ، ٥ : ٤١٣ ».
٢ ـ الطرار : السارق الذي يخالس الناس « الصحاح ـ طرر ـ ٢ : ٧٢٥ ».