الثامن والثلاثون : عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « إنه ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط (١) فيها بثلاث : شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه ، ألا إنّ الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان ، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه (٢) ، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها ، على فانية لا ينفد عذابها ، وقدّم لما يقدم عليه مما هو في يديه ، قبل أن يخلّفه لمن يسعد بإنفاقه ، وقد شقي هو بجمعه » (٣).
التاسع والثلاثون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ألا إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، والآخرة قد احتطت مقبلة ، ألا وانكم في يوم عمل ولا حساب فيه ، ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل ، وإنّ الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب ، وإن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، إن شر ما أتخوّف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق ، وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا ، وما بعدهما لأحد من خير يرجاه في دنيا ولا آخرة » (٤).
الأربعون : عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات ، فإذا وجد الانسان قد نفد أجله وانقطع أكله ألقى عليه الموت ، فغشيته كرباته ، وغمرته غمراته ، فمن أهل بيته الناشرة شعرها ، والضاربة وجهها ، الصارخة بويلها ، الباكية بشجوها ، فيقول ملك الموت : ويلكم ، ممّ الفزع؟ وفيمَ الجزع؟ والله ما أذهبت لأحد منكم مالاً ، ولا قرّبت له أجلاً ، ولا أتيته حتى أمرت ، ولا قبضت روحه حتى استأمرت ، وإنّ لي إليكم عودة ثم عودة ، حتى لا أبقي. منكم أحداً ».
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « والذي نفسي بيده ، لو يرون مكانه
__________________
١ ـ التاط : لصق « النهاية ـ لوط ـ ٤ : ٢٧٧ ».
٢ ـ في البحار : حى يأخذه الموت بغتة.
٣ ـ بحار الأنوار ٧٧ : ١٨٨ عن أعلام الدين.
٤ ـ بحار الأنوار ٧٧ : ١٨٨ عن أعلام الدين.