فقالت : هو عقيدتي ، وسيبلغك إن بقيت بعدي.
فأمر لها بقنطار من المال.
فقالت : بل القوت بتة ، فإنّي لا أعود إلى الخفض في العيش ، وأنا مأسورة في قيد الخطيئة.
فقال بعض ولد يوسف : يا أباه ، من هذه التي فقد تفتت لها كبدي ورقّ لها قلبي؟
فقال له : هذه دابة البرح (١) ، وسبب البلية في حبال الإنتقام.
ثم تزوجها فوجدها بكراً ، فقال لها : أنّى هذا ، وقد كان لك بعل!؟
فقالت : كان محصوراً بفقد الحركة وصرد (٢) المجاري.
يقول الحسن بن أبي الحسن الديلمي ـ أعانه الله على طاعته وتغمده برأفته ورحمته ـ : إني لأعجب من قوم ينسبونه إلى الاهتمام بالمعصية ، وقد نزّهه الله عنها في سبع مواضع من السورة ، منها :
قوله تعالى حكاية عنها : ( الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه ) (٣) فاستعفى فلو لم تكن هي المراودة دونه ، لم يكن للكلام معنى ، لأنّها إنما أرادت تنزيهه عن المراودة بما شهدت له.
ومنها قول النساء : ( حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء ) (٤).
ومنها قول الطفل إنطاق من الله تعالى وبرهان كبير في تنزيهه ( إن كان قميصه قدّ من قبُل فصدقت وهو من الكاذبين* وإن كان قميصه قدّ من دُبر فكذبت وهو من الصادقين * فلمّا رأى قيصه ّقدّ من دبر قال ) (٥) يعنى العزيز حيث رأى برهان الله بنطق الصغير في المهد ، معجزة وحجّة ظاهرة في تنزيهه من اهتمام المعصية ( إنه من كيد كنّ إنّ كيدكنّ عظيم ) (٦).
__________________
١ ـ البرح : الشدة والأذى « الصحاح ـ برح ـ ١ : ٣٥٥ ».
٢ ـ الصَرَد : البرد « الصحاح ـ صرد ـ ٢ : ٤٩٦ » ، وهذا الكلام منها كناية عن أن زوجها الأول عنين.
٣ ، ٤ ـ يوسف ١٢ : ٥١.
٥ ـ يوسف ١٢ : ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨.
٦ ـ يوسف ١٢ : ٢٨.