وقال عليهالسلام للحارث الهمداني ـ في وصيته له ـ « وخادع نفسك في العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها ، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة ، فإنه لابد من قضائها ، وتعاهدها عند محلها ».
وقال الحسن بن علي العسكري عليهالسلام : « إن للقلوب إقبالاً وادباراً ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، واذا ادبرت فاقصروها علم ، الفرائض ».
ولقد صدق عليهالسلام ونصح ، فإن القلوب إن لم تنشط وتقبل على العلوم والعبادات لم يبالغ منها المراد ، ولهذا ذم الله تعالى المنافقين بقوله تعالى : (ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون) (١).
وقال تعالى في موضع اخر : (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤُن الناس ولايذكرون الله إلاّ قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (٢) فذم سبحانه وتعالى الكسل عند العبادة ، والتردد بين أن يفعل وأن لايفعل ، فلم يبق أن يكون المراد إلاّ أن يقبل العبد بقلبه وجوارحه وعمله الخالص على ربه سبحانه ، فيقبل حينئذ عليه ويعطيه سؤله ومراده.
فصل : وإذا كان من العلماء قراء القرآن المجيد ـ بل من خيارهم ـ فلنذكرحالهم وصفاتهم ، مضافاً إلى فضل قراءته ، والتَمسك به عند اختلاف الناس.
روى الشيخ الفقيه أبوالفتح الكراجكي رحمهالله في كتابه (كنزالفوائد) مرفوعاً إلى الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا ترى الناس قد وقعوا إلى الاحاديث!
قال : « وقد فعلوها ».
قلت : نعم.
قال : « اما أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : سيكون بعدي فتنة ، قلت فما المخرج منها يا رسول الله صلى الله [ عليك ] (٣)؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ما كان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، ما تركه من جبار إلاّ قصمه الله ، ومن ابتغى الهدىَ من غيره أضلّه الله تعالى ، وهوحبل الله المتين ،
__________________
١ ـ التوبة ٩ : ٥٤.
٢ ـ النساء ٤ : ١٤٢ ، ١٠٣.
٣ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.