الى الولاية فيترك منازله وأمواله الّتى كانت مقرّرة له بحكم الولاية التّكوينيّة فيرثها ذوو أنسابه الآخرون مثل الجنين الّذى يترك من اموال الميّت قسط له فان تولّد حيّا وبلغ أخذ قسطه وان ولد ميّتا أو لم يبلغ كان قسطه لسائر الورثة بحكم النّسبة ، إذا عرفت ذلك ، فلا حاجة لك الى التّكلّفات الّتى ارتكبوها في تصحيح اطلاق الإرث على ما ذكر ، ومن عبادنا ظرف لغو متعلّق بنورث والمعنى نورث الجنّة من مال عبادنا المخصوصين الّذين خرجوا من رقّيّة أنفسهم وصاروا بتمام وجودهم خالصين لنا فصاروا كاملين ومكمّلين ومالكين بتمليكنا درجات الآخرة ، وبعد ما تخلّفت منهم بتوجّههم ونقلهم الى ما فوقهم أورثنا تلك الدّرجات منهم عبادا كانوا أتقياء بان دخلوا في الولاية فانّ التّقوى الحقيقيّة لا تتصوّر الّا بالدّخول في الولاية أو من عبادنا ظرف مستقرّ حال ممّن كان تقيّا والمعنى حينئذ نورث الجنّات من كان تقيّا حالكونه صار من عبادنا بان اشترى الله منه ماله ونفسه بانّ له الجنّة ، وفائدة التّقييد بالحال الاشعار بانّ التّقوى الحقيقيّة لا تحصل الّا بالبيعة الولويّة أو النّبويّة (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) كلام من الملك الحاكي من الله تعالى معطوف على المحكىّ من الله فقد ورد انّ رسول الله (ص) قال لجبرئيل (ع) : ما منعك ان تزورنا؟ ـ فنزلت (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) اى الدّنيا أو عوالم الآخرة (وَما خَلْفَنا) يعلم بالمقايسة (وَما بَيْنَ ذلِكَ) اى العالم الّذى نحن واقعون فيه (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) تاركا لك ترك المنسىّ ، أو ما كان موصوفا بالنّسيان حتّى يتوهّم انّه غفل عنك ، وفيه اشعار بانّ سرعة نزوله وبطوءه انّما هو منوط بحكمه (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) وصف لربّك أو خبر مبتدء محذوف وتعليل لامتناع النّسيان عليه (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) لمّا كان الصّبر على العبادة أصعب أقسام الصّبر أتى فيه بصيغة المبالغة (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) خطاب خاصّ بمحمّد (ص) أو عامّ لمن يتأتّى منه الخطاب ، والمراد بالسّميّ المماثل في شيء من صفاته لا المسمّى بشيء من أسمائه (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) اى هذا النّوع من الحيوان وان كان القائل بعض افراده (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا).
اعلم ، انّ الإنسان ما دام يكون محصورا إدراكه على المحسوسات ولا يدرك من نفسه الّا مقام جسميّته كان إقراره ببعثه تقليدا محضا من غير تصوّر لنفسه وموته وبعثه وكان إنكاره تحقيقا لا تقليدا فانّ النّاظر الى البدن والى انّ النّفس جسم لطيف متكيّف سار في البدن كسائر أجزاء البدن أو كيفيّة خاصّة في البدن ، وانّ البدن بالموت يفنى كيفيّة حيوته وجميع اجزائه ، خصوصا ان كان بصيرا بالطّبيعيّات وكيفيّاتها لا يتأتّى له الإقرار بالبعث بعد الموت والاعادة بعد الفناء ، وروى انّ ابىّ بن خلف أخذ عظاما بالية ففتّها وقال : يزعم محمّد (ص) انّا نبعث بعد ما نموت (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) اى قبل وجوده أو قبل موته (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) لا في العوالم العالية ولا في العالم الدّانى بان خلقناه في عوالم علمنا حين لم يكن مقدّرا ولا موجودا طبيعيّا ، أو لم يك شيئا في العالم الطّبيعىّ (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) الموكّلة عليهم ، لمّا كان الكلام ملقى على المنكر اكّده بتأكيدات ، وروى انّ الكفرة تحشرون مع قرنائهم من الشّياطين الّذين اغووهم كلّ مع شيطانه.
اعلم ، انّ الإنسان الّذى هو عالم صغير إذا هبط آدم (ع) وحوّاء (ع) من الجنّة فيه وتوالدا وأتى لواحد من ولديهما بحوريّة وللآخر بجنّيّة وتوالدوا في العالم الصّغير كان ما تولّد من الحوريّة سنخا للملائكة وبتلك السّنخيّة يجذب الملك ، وما تولّد من الجنّيّة كان سنخا للجنّة والشّياطين ، وبتلك السّنخيّة يجذب الشّيطان الى عالمه الصّغير من العالم الكبير ، وما ورد انّ لكلّ إنسان ملكا يزجره وشيطانا يغويه اشارة الى ما ذكر ، ولكلّ من الملك والشّيطان المجذوبين اليه جنود وأعوان فيصير الملك الموكّل مع جنوده ملائكة كثيرة والشّيطان المنجذب