شياطين عديدة ، وإذا حشر الإنسان حشر معه كلّ شيطان كان معه ، أو المعنى لنحشرنّهم والشّياطين من غير نظر الى الشّياطين الموكّلة بخصوصهم (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) ضمير المفعول في لنحضرنّهم وفي نحشرنّهم راجع الى مطلق البشر المؤمنين والكافرين ، وحضور المؤمنين حول جهنّم مثل ورودهم عليها ، أو راجع الى الكافرين ، والجثىّ جمع الجاثي أصله جثو ، وقرئ بضمّ الجيم وكسرها (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) طائفة شاعت نبيّا أو إماما في الهداية أو إماما في الضّلالة (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أصله عتوّ مصدر عتى عتوّا وعتيّا بضمّ العين وعتيّا بكسرها استكبر وجاوز الحدّ والمعنى لننزعنّ من كلّ فرقة مؤمنة وكافرة أعتاهم ، ونعفو من غير أعتاهم ، أو لننزعنّ من كلّ فرقة أعتاهم فندخلهم في أسفل الجحيم ثمّ لننزعنّ العاتين منهم فندخلهم المداخل المترتّبة من الجحيم على ترتيب عتّوهم حتّى يبقى المؤمنون ، واىّ موصولة مبنيّة على الضّمّ على قراءة ضمّ الياء لحذف صدر صلتها ومنصوبة مفعول لننزعنّ على قراءة فتح الياء ، أو استفهاميّة مبتدء وخبر والجملة حاليّة بتقدير القول ، أو مستأنفة بتقدير القول جواب لسؤال مقدّر ومفعول لننزعنّ محذوف ، أو من كلّ فرقة مفعوله لكون من اسما ، أو لكون الظّرف قائما مقام الموصوف لقوّة معنى البعضيّة في من (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) مصدر مثل العتىّ من صلّى النّار كرضى قاساها (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها).
اعلم ، انّ دركات الجحيم واقعة في الآخرة ولا يدخلها الّا من خرج عن الدّنيا وعن عقبات البرزخ ووصل الى الأعراف وبقي عليه فعليّة مناسبة للنّار ، وامّا قبل ذلك فلا يدخل أحد النّار وكانت أبواب الجحيم مغلقة ولذلك يقال : حينئذ ادخلوا أبواب الجحيم ، وقال تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) فرتّب فتح الأبواب على مجيء أهلها لانّها كانت مغلقة قبل المجيء وأهل الجنّة بعد الوصول الى الأعراف لا يبقى عليهم الّا فعليّة مناسبة للجنّة فلا يدخلون النّار لكن نقول : الدّنيا انموذجة من الجحيم والأخلاق الذّميمة والأوصاف الرّدّيّة كلّها انموذجة منهما ، ومشتهيات النّفس والآلام والأسقام من فوران الجحيم ، والبرزخ بوجه هو جحيم الدّنيا كما انّه بوجه هو جنّة الدّنيا ، والواردون على الأعراف كلّهم واردون على الجحيم بمعنى انّهم مشاهدون لها وكلّ النّاس مؤمنهم وكافرهم لا بدّ لهم من العبور على الدّنيا والاتّصاف بمشتهياتها والعبور عن الرّذائل والأوصاف الرّدّيّة ومشتهيات النّفس ، وقلّما ينفكّ الإنسان عن علّة ما أو الم ما ، ولا بدّ للكلّ من العبور على البرزخ اختيارا أو اضطرارا لكنّ العبور يتفاوت بتفاوت الأشخاص والأحوال والكلّ واردون على الأعراف وواردون على جحيم الآخرة بمعنى انّهم مشاهدون لها ، إذا عرفت ذلك ، عرفت وجه الجمع بين الاخبار المتخالفة الواردة في هذا الباب وعرفت انّ المراد بالنّسخ فيما ورد انّ هذه الآية منسوخة بآية (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) هو النّسخ الجزئىّ الّذى يكون بحسب الأشخاص والأحوال لا النّسخ الكلّى فانّ هذا الورود من لوازم وجود الإنسان وكيفيّة خلقته ولذلك قال تعالى بعد الاخبار به (كانَ) ذلك (عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) مؤكّدا بتأكيدات لكن قد يعرض الإنسان جذبة من جذبات الرّحمن لا تبقى عليه أثرا من الدّنيا ونيرانها ولا من البرازخ وعقباتها ، ولا من الأعراف ومشاهداتها فكان الورود المحتوم منسوخا ومرتفعا في حقّه ، وما ورد انّ النّار تقول للمؤمن يوم القيامة : جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى ، كان اشارة الى الدّنيا ومشتهيات النّفس أو الأخلاق الرّذيلة أو البرازخ ، وكذلك قول المعصوم جزناها وهي خامدة (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) التّدوينيّة مطلقة أو في ولاية علىّ (ع) (بَيِّناتٍ) واضحات أو موضحات رسالتك أو قدرة الله على الأحياء بعد الاماتة أو ولاية