علىّ (ع) (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو برسالتك أو بولاية علىّ (ع) (لِلَّذِينَ آمَنُوا) لاجلهم أو مخاطبين لهم استهزاء بالله أو بدينك أو بعلىّ (ع) (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) ممّن اقرّ بالله أو بالرّسالة أو بولاية علىّ (ع) وممّن أنكر ذلك (خَيْرٌ مَقاماً) مكانا أو موضع قيام ، وقرئ بضمّ الميم (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) مجلسا ومجتمعا يعنى انّهم لمّا سمعوا الآيات الدّالّات على حقّيّة دينك وقدرة الله أو ولاية علىّ (ع) وعجزوا عن المعارضة وردّها افتخروا بما لهم من حسن الحال في الدّنيا وزعموا انّ حسن حالهم انّما هو لحقّيّة إنكارهم ورداءة حال المؤمنين لبطلان إقرارهم كما هو شأن أهل الزّمان في كلّ زمان ، وهذا زعم فاسد فانّ حسن الحال وزيادة الحظّ في الدّنيا مانعة عن حصول حظوظ العقبى ومهلكة في العقبى كالشّهد الّذى فيه سمّ غير محسوس ، وعن الصّادق (ع) انّه قال : كان رسول الله (ص) دعا قريشا الى ولايتنا فنفروا وأنكروا فقال الّذين كفروا من قريش للّذين آمنوا الّذين اقرّوا لأمير المؤمنين (ع) ولنا أهل البيت (ع) اىّ الفريقين خير مقاما وأحسن نديّا ، تعييرا منهم فقال الله تعالى ردّا عليهم ، وقرء الآية الآتية (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) قرئ رءيا بكسر الرّاء المهملة وسكون الهمزة وريّا بكسر الرّاء وتشديد الياء وريّا بكسر الرّاء وتخفيف الياء وزيّا بكسر الزّاء المعجمة وتشديد الياء ، والكلّ بمعنى المنظر أو ما يتجمّل به (قُلْ) لهم ردّا على زعمهم انّ حسن الحال في الدّنيا جالبة لحسن الحال في الآخرة (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ادّاه بصيغة الأمر للاشعار بانّ هذا امر كأنّه واجب على الله لا تخلّف عنه فلا تغترّوا بامداد الله في الدّنيا واجتماع أسباب التّنعّم لكم فانّه استدراج ومورث للهلاكة أبدا (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ) بالقتل والأسر والنّهب والاجلاء والبلايا الواردة من الله من الأسقام والآلام البدنيّة والنّفسانيّة (وَإِمَّا السَّاعَةَ) ساعة الموت وعذابها (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) فانّه وقت العذاب لا ينفع مال ولا بنون ، ولا يدفع جند ولا الأقربون ، ووقت الموت ينقطع كلّ موصول ولا يدفع كلّ دافع ولا ينفع الّا الله ، فمن انقطع عن الكلّ واتّصل بالله بالبيعة الولويّة مع خلفائه كان حينئذ أحسن نديّا فانّ مجتمعة كان من جند الله ، ومن لا ينقطع عن الغير ولا يتّصل بالله بالبيعة مع علىّ (ع) كان اردء نديّا لانقطاع كلّ ممّن كان في مجتمعة عنه وعن مجتمعة (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) عطف على من كان في الضّلالة فليمدد وتغيير الجملة الثّانية بالفعليّة للاشعار بانّ الأمداد والاستدراج عرضىّ تابع لاستعداد العباد وأفعالهم بخلاف فضل الهداية فانّه فضل محض وذاتىّ له تعالى وليس تابعا لفعل واستعداد وقد تكرّر سابقا انّ الهداية ليست الّا ولاية علىّ (ع) والتّوجّه اليه ، عن الصّادق (ع) انّه قال : كلّهم كانوا في الضّلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين (ع) ولا بولايتنا فكانوا ضالّين مضلّين فيمدّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا فيصيّرهم الله شرّا مكانا وأضعف جندا (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) وقد سبق بيان الباقيات الصّالحات في سورة الكهف (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) ممّا متّعوا به من الأثاث والرّأى (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) مرجعا ممّا توهّموه من الأموال والأولاد ، وصيغة التّفضيل هاهنا لمجرّد التّفضيل أو للتّفضيل على ما زعموه خيرا باعتقادهم (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) وأعظمها علىّ (ع) (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) يعنى في الآخرة ، ورد انّه كان لبعض المؤمنين دين على بعضهم فجاءه يتقاضاه فقال : ألستم تزعمون انّ في الجنّة الّذهب والفضّة والحرير؟ ـ قال : بلى ، قال : فموعد ما بيني وبينك الجنّة فو الله لاوتينّ فيها خيرا ممّا أوتيت في الدّنيا (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) فرأى في الغيب انّ له في الآخرة مالا وولدا (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) فانّه لا يعلم ذلك الّا بالمشاهدة والتّحقيق ، أو بتعهّد