وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) الجملة جواب لسؤال مقدّر وتعليل لقوله : ما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ، وانّما قال يؤذون الله مع انّ المقصود إيذاء الرّسول (ص) اشارة الى انّ إيذاء رسول الله (ص) إيذاء لله تعالى (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) تعريض بمن آذى عليّا (ع) وفاطمة (ع) فانّه صلّى الله قال : فاطمة بضعة منّى فمن آذاها فقد آذاني ، وقال : من آذاها في حيوتى كمن آذاها بعد موتى ، ومن آذاها بعد موتى كمن آذاها في حيوتى ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، وعن علىّ (ع) انّه قال وهو آخذ بشعره فقال : حدّثنى رسول الله (ص) وهو آخذ بشعره ، فقال : من آذى شعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فعليه لعنة الله (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بغير معصية منهم استحقّوا بها الإيذاء (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) كذبا يعنى انّ أذاهم بنسبة شيء إليهم لم يفعلوه ولم يكن فيهم ، أو المقصود انّ إيذاء المؤمن ليس الّا امرا باطلا وكلّ باطل كذب وبهتان (وَإِثْماً مُبِيناً) نزول هذه الآية في إيذاء علىّ (ع) وفاطمة (ع) لا ينافي عمومها لجميع المؤمنين والمؤمنات ، قال في تفسير البيضاوي في هذه الآية : روى انّها نزلت في منافقين يؤذون عليّا (ع) ، والسّرّ في ذلك انّ المؤمن من حيث ايمانه ليس الّا ولىّ امره ، وايذاؤه من حيث ايمانه ليس الّا إيذاء ولىّ امره ، وإيذاء ولىّ أمره قرين لإيذاء محمّد (ص) وعلىّ (ع) وهو إيذاء الله (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) أدب آخر لنساء النّبىّ (ص) وسائر الامّة (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) كنّ لا يغطّين وجوههنّ وسائر مواضع زينتهنّ بجلبابهنّ فأمرهنّ الله تعالى بستر الوجوه والصّدور بالجلابيب حتّى يتميّزن عن سائر النّساء بذلك ، والجلباب للنّساء ثوب وسيع يلبسنه فوق الثّياب دون الملحفة أو هو الملحفة (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) بتميّزهنّ من الإماء والقيان وسائر النّساء (فَلا يُؤْذَيْنَ) قيل : كان سبب نزولها انّ النّساء كنّ يخرجن الى المسجد ويصلّين خلف رسول الله (ص) فاذا كان باللّيل وخرجن الى صلوة المغرب والعشاء الآخرة والغداة يقعد الشّباب لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فيغفر تقصيرهنّ فيما سلف ويرحمهنّ بتعليم آداب المعاشرة لهنّ (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) لمّا أراد تهديد أهل الرّيبة الّذين كانوا يتعرّضون للنّساء في الطّرق ضمّ معهم المنافقين والمرجفين (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) الّذين يرجفون اى يخوضون في اخبار الفتن ويثيرون الفتن بين النّاس (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) زمانا أو جوارا قليلا ، أو هو مستثنى من الفاعل (مَلْعُونِينَ) حال من فاعل لا يجاورونك (أَيْنَما ثُقِفُوا) حال آخر منه أو من مرفوع ملعونين (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) يعنى ان لم ينتهوا يخرجوا من المدينة بأسوء حال جامعين بين اللّعن والطّرد من الرّحمة في الدّنيا والآخرة وبين التّضييق بالقتل والأخذ وبين لعن النّاس لهم وبين التّضييق عليهم بالقتل أينما ثقفوا (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأنبياء (ع) ومرجفى أممهم (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) قد مرّ مرارا انّ السّاعة فسّرت بساعة الموت وهي القيامة الصّغرى وبساعة ظهور القائم (ع) وهي أيضا قيامة اخرى اختياريّة أو اضطراريّة وبالقيامة الكبرى وفيهما أيضا يكون ظهور القائم (ع) ، ولمّا كان كلّ ذلك في طول الزّمان لا في عرضه ولا يمكن للمحجوبين بحجب الزّمان والمكان إدراكها ، ولا يعلمها الّا من خرج من حدود الزّمان والمكان ولحق بالملإ الأعلى وعلم بعلم الله الّذى هو عند الله لا عند