الخلق امره الله ان يجيبهم بالإجمال ، فقال (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) وأنتم تكونون عند النّاس ولا يعلم العلم الّذى يكون عند الله الّا من كان عند الله وعلم بعلم الله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) يعنى انّ السّاعة وان كانت في طول الزّمان والمتقيّدون بالزّمان متباعدون منها غاية البعد لكنّها قريبة منهم غاية القرب لانّها بمنزلة الرّوح للزّمان والزّمانيّات وروح الشّيء أقرب من كلّ شيء اليه (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) كان المناسب هاهنا ان يكون المراد بالكافرين الكافرين بالسّاعة (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً يَوْمَ تُقَلَّبُ) متعلّق بقوله لا يجدون أو بيقولون (وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) في حقّ علىّ (ع) (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا) وقرئ ساداتنا على جمع الجمع (وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) قرئ الرّسول والسّبيل بالألف للوقف على الفتح بالألف واجراء الوصل على حال الوقف (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) لضلالهم واضلالهم ايّانا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) وقرئ كثيرا بالثّاء المثّلثة ، القمىّ كناية عن الّذين غصبوا آل محمّد (ص) حقّهم يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرّسولا يعنى في أمير المؤمنين (ع) والسّادة والكبراء هما اوّل من بدأ بظلمهم وغصبهم فأضلّونا السّبيلا اى طريق الجنّة والسّبيل أمير المؤمنين (ع) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) في حقّه وآذوه ، وكان مناسب المقام من حمل الآيات في إيذاء الرّسول وإيذاء المؤمنين على إيذائه في علىّ (ع) وإيذاء علىّ (ع) وفاطمة (ع) ان يكون المعنى لا تكونوا في إيذاء الرّسول أو في إيذاء علىّ (ع) كالّذين آذوا موسى (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) وذلك انّ موسى كان حيّيا لا يغتسل الّا في موضع لا يراه أحد فقال بعض انّه عنّين وقال بعض : انّه ليس له ما للرّجال ، وقال بعض : انّ به عيبا امّا برص أو أدرة (١) فذهب مرّة يغتسل ووضع ثوبه على حجر فمرّ الحجر بثوبه فطلبه موسى (ع) فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرّجال فبرّأه الله ممّا قالوا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) لمّا نهى المؤمنين عن إيذاء الرّسول (ص) بنسبة ما لا يليق به اليه من انّه يريد ان يجعل ابن عمّه أميرا علينا ، أو ليس ما يقوله في حقّ علىّ (ع) من الله تعالى أو أمثال ذلك أراد ان يأمرهم بان يقولوا قولا صدقا لا شوب بطلان فيه ولا يتولّد منه شين على القائل أو المقول فيه أو أحد من المؤمنين ولا يكون فيه أذى أحد من المؤمنين (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) الّتى تعملونها ان كان فيها خلل وفساد يعنى انّ اللّسان رئيس سائر الأعضاء فان صلح وصلح ما يجرى عليه يصلح الله جميع اعمال الأعضاء (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) عن الصّادق (ع) انّه قال لعبّاد بن كثير الصّوفىّ البصرىّ : ويحك ، يا عبّاد غرّك ان عفّ بطنك وفرجك؟! انّ الله عزوجل يقول في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ، اعلم ، انّه لا يقبل الله منك شيئا حتّى تقول قولا عدلا ، وهذا الخبر يدلّ على انّ أهل العلم والعرفان إذا لم يكونوا مجازين في القول لا ينبغي ان يقولوا حقّا فانّ أصل سداد القول بان يكون بإذن من الله ، ولا سيّما إذا كان فيما يتعلّق بدين الله ، وإذا أجيزوا لا ينبغي ان يقولوا الّا ما علموه وعرفوه انّه حقّ ، فالويل كلّ الويل لمن تشبّه باهل الحقّ من الصّوفيّة والعلماء! فيجري على لسانه كلّ ما خطر على قلبه من غير اذن واجازة من الله في القول (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) يعنى من يطع الله ورسوله في ولاية علىّ (ع) كما في الاخبار (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) المراد بالامانة كما أشير اليه في سورتي النّساء والمؤمنون وغيرهما وفي هذه السّورة قبيل هذا اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة الّتى
__________________
(١) الأدرة بالضّمّ الفتق.