(فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) برسلنا (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) باذهاب النّفوس النّازلة من عالم الأرواح إليها المثقّلة لها الّتى تزيدها عن قدرها ، ولمّا كان النّفوس السّفليّة الشّيطانيّة كأنّها لا تنقل من الأرض بالموت فسّر نقصان الأرض بموت العلماء في أخبارنا ، وقيل : انّ المعنى ننقصها من أطرافها بظهور المسلمين على الكافرين بنقصان ديار المقاتلين وأراضيهم وازدياد ديار المسلمين وأراضيهم لكن هذا لا يناسب سوق العبارة في المقام (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) على أمرنا وحكمنا وقد مرّت الآية في سورة الرّعد (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) بسبب وحي الله الىّ بالإنذار لا بسبب الهوى كما انّ تخويفاتكم تكون بالهوى أو أنذركم بما أوحى الىّ لا بما أتخيّل من نفسي مثلكم ولكن لا ينفعكم إنذاري لانّكم صمّ (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) اى النّداء (إِذا ما يُنْذَرُونَ) فلا ينتفعون (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) يعنى انّهم يستعجلون بالعذاب ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ، النّفحة الدّفعة من نفح الطيّب ونفح الرّيح بمعنى هبّت ، ونفح العرق نزا والنّفحة من العذاب القطعة منه (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا) كالعاجز عن الدّفع والاستنصار من غير توسّل بالالهة (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) يعنى اعترفوا بظلمهم في اتّخاذ الآلهة من دون الله أو الأولياء من دون ولىّ الأمر (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) الميزان ما يوزن ويقاس به مقدار الشّيء وحاله سواء كان ذلك ذا الكفّتين أو القبّان أو الزّرع أو مقياس البنّاء والمسّاح ، أو احكام الشّرائع والملل ، أو آداب الطّريق والسّلوك ، أو كتب الله السّماويّة ، أو وجود خلفاء الله تعالى بأعمالهم وأقوالهم وأحوالهم وأخلاقهم ومراتب وجودهم ، ولمّا كان الموازين في الآخرة كثيرة بحسب النّشئات ومراتب الأشخاص جمع الموازين بالجمع الدّالّ على الكثرة وقد سبق في اوّل سورة الأعراف تحقيق وتفصيل للوزن والميزان ، والقسط بمعنى العدل ومن المصادر الّتى يوصف بها ، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنّث والمذكّر (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) اى في يوم القيامة ، أو للنّاس في يوم القيامة ، أو لحساب يوم القيامة (فَلا تُظْلَمُ) بنقص ثواب أو زيادة عقاب ، أو بثواب في موقع العقاب ، أو بعكس ذلك (نَفْسٌ شَيْئاً) هو مفعول ثان لتظلم أو قائم مقام المصدر (وَإِنْ كانَ) العمل (مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) اى مقدار حبّة من خردل ، وقرئ مثقال حبّة بالرّفع على جعل كان تامّة (أَتَيْنا بِها) وقرئ بالمدّ من باب الأفعال أو المفاعلة (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) الجملة معطوفة على قوله لئن مسّتهم ، أو على قوله ونضع الموازين ، والاوّل اولى لتوافق المتعاطفين في الإنشاء ، فانّ لام لقد آتينا موطّئة للقسم ، والثّانى أوفق بحسب تناسب المعنى فانّ وضع الموازين ليوم القيامة يناسب إتيان الفرقان لموسى لانّه أيضا ميزان فكأنّه قال : نضع الموازين القسط ليوم القيامة وآتينا موسى في الدّنيا الميزان القسط الّذى هو التّوراة الفارقة بين الحقّ والباطل (وَضِياءً وَذِكْراً) من قبيل عطف أوصاف عديدة لشيء واحد على ان يكون الفرقان والضّياء والذّكر أوصافا للتّوراة ، أو من قبيل عطف المتباينات ان أريد بالفرقان التّوراة أو فلق البحر ، أو سائر المعجزات وبالضّياء والذّكر غيرها (لِلْمُتَّقِينَ) متعلّق بآتينا ، وكون الفرقان للمتّقين لكونهم منظورين من إتيانه ومنتفعين به ، أو صفة لضياء وذكرا ، أو لذكرا فقط (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) صفة بيانيّة للمتّقين ، وبالغيب حال من ربّهم أو من فاعل يخشون ، والباء للظّرفيّة ، أو للمصاحبة ، أو الباء للسببيّة ، والظّرف لغو متعلّق بيخشون اى يخشون بسبب غيب أعمالهم من حيث الصّحّة والبطلان أو بسبب غيب جزاء أعمالهم ، أو بسبب غيب موارد وعده ووعيده عنهم (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) قد مضى قبيل هذا بيان الخشية والإشفاق (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) كثير البركة