لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما قالوا بعد ما رجعوا الى الأصنام ووجدوها مكسّرة؟ ـ فقال : قالوا (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا) ان كان من استفهاميّة فالوقف هاهنا ، وان كان موصولة فقوله (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) خبره ، وان كان شرطيّة فهو جزاؤه لكن بتقدير الفاء والمقصود انّه ظالم على نفسه بجعلها عرضة للقتل والسّياسة ، أو ظالم على آلهتنا (قالُوا سَمِعْنا) يعنى قال بعضهم في جواب هذا القائل : سمعنا قبل ذلك (فَتًى يَذْكُرُهُمْ) ويعيب فيهم (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ قالُوا) اى قال القوم للجماعة الّذين قالوا سمعنا فتى يذكرهم (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) فاكشفوه بالإتيان به على أعين جميع النّاس حتّى يعرفوه (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) بما سمعتم منه أو لعلّهم يشهدون على إقراره بان يقرّ بهذا الفعل فشهدوا على إقراره أو لعلّهم يحضرون عذابه وعقوبته فجاؤا به وساءلوه (قالُوا) في حمله على الإقرار (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ) ما انا فعلته (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) لمّا كان السّؤال عن الفاعل بعد كون الفعل مسلّم الوقوع كان الموافق للجواب ان يقول : بل كبيرهم فعل ليكون اثباتا للفعل المسلّم للكبير ونفيا له عن غيره لكنّه قدّم الفعل لانّه أراد ان يبرز الفعل مبرز المفروض ، لانّ هذه القضيّة من القضايا الفرضيّة المتداولة في العرب والعجم ، والأنسب بالقضايا الفرضيّة ان يكون الفعل فرضيّا أيضا فانّها في التّقدير هكذا بل فعله كبيرهم ان كان ما تقولون من انّهم آلهة حقّا لانّ كسر الإله لا يتمشّى الّا من الإله ولانّ الكبير ينبغي ان ينفى الغير عن الآلهة ويكسره لاقتضاء كلّ منهم التّفرّد بما فيه كماله ، وقيل : انّها قضيّة مفروضة وشرطها قوله ان كانوا ينطقون ، وقيل : انّ المراد به التّعجيز والإلزام وليس باخبار حتّى يكون كذبا ، وقيل : انّ الوقف على فعله وكبيرهم ابتداء كلام وهو بعيد لفظا ومعنى فانّ التّقدير حينئذ فعله من فعله ويكون جوابا بالفعل عن السّؤال عن الفاعل ويكون حذفا للفاعل أو إضمارا له من غير قرينة ومرجع ، وروى انّه ما فعله كبيرهم وما كذب وقد علم وجهه ونسب الى الخبر انّ إبراهيم كذب ثلاث كذبات قوله : انّى سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم ، وقوله في سارة لمّا أراد الجبّار أخذها وكانت زوجته انّها أختي (فَسْئَلُوهُمْ) يعنى فاسئلوا جميعهم (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) والأمر للإلزام والإقرار بعدم النّطق حتّى يقرّوا بعدم الآلهة ، والإتيان بضمائر ذوي العقول كان موافقا لاعتقادهم أو للاستهزاء (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) يعنى صرفوا وجوههم عن إبراهيم (ع) وتوجّه بعضهم الى بعض ، أو رجعوا الى عقولهم من عاداتهم وأدركوا بعقولهم صدق مقالته (فَقالُوا) اى قال بعضهم خطابا لجميعهم (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) في نسبة الآلهة الى ما لا يقدر على دفع الضّرّ عن نفسه ولا على النّطق ، أو في نسبة الظّلم الى من كسر الأصنام ، أو في ارادة السّوء بمن كسرها ، أو في السّؤال عن إبراهيم لا عن الأصنام وليس إبراهيم ظالما كما تفوّهتم به بقولكم : من فعل هذا بآلهتنا انّه لمن الظّالمين (ثُمَ) انتقلوا من عقولهم الى أنفسهم وعاداتها واهويتها و (نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) شبّههم في الانصراف من العقول الى عادات النّفوس بمن نكس عن الاستقامة فجعل رأسه في الأسفل ورجليه في الأعلى واعترفوا بما هو حجّة عليهم قائلين (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا إبراهيم (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) يعنى بعد ما اعترفوا بأنّهم هم الظّالمون حاجّوه بما هو حجّة عليهم (قالَ) إبراهيم (ع) (أَ) تجهلون أو لا تعقلون (فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً) هو في محلّ المصدر أو منصوب بنزع الخافض (وَلا يَضُرُّكُمْ) يعنى بعد ما علم انّهم لا يقدرون على دفع الضّرّ عن أنفسهم على انّهم لا يقدرون على جلب النّفع ودفع الضّرّ عن الغير ، وما لا ينطق ولا ينفع ولا يضرّ لا يستحقّ العبادة (أُفٍ