لَكُمْ) بعد ما بان قبح صنيعهم بحيث لا يمكنهم انكار قبحه أظهر الانزجار منهم ومن معبوداتهم ، وافّ كلمة انزجار وبه يظهر التّضجّر (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ قالُوا) بعد العجز عن الحجّة كما هو ديدن أهل كلّ زمان من التّوسّل بالقتل والشّتم وسائر التّهديدات مثل التّكفير والتّفسيق بعد العجز عن الحجّة والعلم بالخطيئة من أنفسهم (حَرِّقُوهُ) يعنى بعد ما استشار نمرود منهم قالوا : حرّقوه ولذلك قال الصّادق (ع) : انّ فرعون إبراهيم (ع) وأصحابه كانوا لغير رشده وكان فرعون موسى وأصحابه لرشده ، فانّه لمّا استشار أصحابه في موسى (ع) قالوا : ارجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) يعنى لا تنظروا الى مقالته فانّكم لا تقدرون على محاجّته وانصروا آلهتكم ، قيل : فجمعوا له الحطب حتّى انّ الرّجل منهم ليمرض فيوصى من ماله لاشتراء الحطب والمرأة تغزل فتشتري به حطبا فلمّا ، أرادوا ان يلقوا إبراهيم في النّار ولم يقدروا على قربها لشدّتها جاء إبليس ودلّهم على المنجنيق وهو اوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثمّ رموه في النّار فلمّا رموه فيها (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً) فانّ النّار وان كانت بالنّسبة إلينا جمادا لا يصحّ خطابها وأمرها لكنّها بالنّسبة اليه تعالى عاقلة شاعرة مأمورة (وَسَلاماً) في الخبر انّ إبراهيم بعد ما قال الله كوني بردا اضطربت أسنانه حتّى قال وسلاما (عَلى إِبْراهِيمَ) لو لم يقل على إبراهيم لصارت بردا وسلاما الى آخر الأبد على كلّ أحد ولذلك كانت تحرق غير إبراهيم وفي الخبر لمّا وضعوه في المنجنيق التقى معه جبرئيل في الهواء فقال : يا إبراهيم هل لك الىّ من حاجة؟ ـ فقال إبراهيم : امّا إليك فلا ، وامّا الى ربّ العالمين فنعم ، وانحطّ جبرئيل وجلس معه يحدّثه في النّار ونظر اليه نمرود فقال : من اتّخذ إلها فليتّخذ مثل اله إبراهيم ، فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود انّى عزمت على النّار ان لا تحرقه فخرج عمود من النّار نحو الرّجل فأحرقه فآمن له لوط ، نقل انّه بعد ما أتى بإبراهيم (ع) الى نمرود وعلم نمرود انّه ابن آزر فقال لآزر : خنتني وكتمت هذا الولد عنّى ، فقال : هذا عمل أمّه فدعا نمرود أمّه فقال لها : ما حملك على ان كتمتني امر هذا الغلام حتّى فعل بآلهتنا ما فعل؟ ـ فقال : ايّها الملك نظرا منّى لرعيّتك قال : وكيف ذلك؟ ـ قالت رأيتك تقتل أولاد رعيّتك فكان يذهب النّسل فقلت : ان كان هذا الّذى يطلبه دفعته اليه ليقتله ويكفّه عن قتل أولاد النّاس ، وان لم يكن يبق لنا ولدنا وقد ظفرت فشانك فكفّ عن أولاد النّاس وصوّب رأيها ، ووجه عدم إحراق النّار لإبراهيم (ع) ما أشرنا اليه في اوّل سورة بنى إسرائيل وفي غيرها من غلبة الملكوت على الملك وبعد غلبة الملكوت على الملك يرتفع حكم الملك فلا يحرق النّار الملكيّة الجسم الملكوتىّ (وَ) من تلك الغلبة يقع طىّ الأرض والسّير على الماء والهواء من غير غرق وسقوط و (أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) لانّهم فعلوا ما يطفئون به نور الله في الأرض فجعلنا غاية جهدهم حجّة صدق إبراهيم ودليل خسرانهم ، ولمّا رأوا انّه لم يحرقه النّار امر نمرود ان ينفوه من بلادهم وان يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجّهم إبراهيم عند ذلك فقال : ان أخذتم بماشيتى ومالي فانّ حقّى عليكم ان تردّوا علىّ ما ذهب من عمرى في بلادكم واختصموا الى قاضى نمرود فقضى على إبراهيم (ع) ان يسلّم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود ان يردّوا على إبراهيم (ع) ما ذهب من عمره في بلادهم فأخبر بذلك نمرود فأمرهم ان يخلّوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وان يخرجوه ، وقال : انّه ان بقي في بلادكم أفسد دينكم واضرّ بالهتكم (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) يعنى نجّيناهما الى الشّام ، قيل : بركته العامّة ان أكثر الأنبياء بعثوا منه فانتشرت بركاتهم الدّنيويّة