ولذلك قال (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) عن الصّادق (ع) انّه كان اوحى الله عزوجل الى النّبيّين (ع) قبل داود الى ان بعث الله داود (ع) اىّ غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ولا يكون النّفش الّا باللّيل فانّ على صاحب الزّرع ان يحفظ زرعه بالنّهار وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم باللّيل فحكم داود بما حكم به الأنبياء من قبله فأوحى الله عزوجل الى سليمان (ع) اىّ غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزّرع الّا ما خرج في بطونها وكذلك جرت السّنّة بعد سليمان وهو قول الله تعالى وكلّا آتينا حكما وعلما فحكم كلّ واحد منهما بحكم الله عزوجل ، وفي خبر آخر عنه (ع) : اوحى الله الى داود اتّخذ وصيّا من أهلك فانّه قد سبق في علمي ان لا ابعث نبيّا الّا وله وصىّ من اهله وكان لداود أولاد عدّة ، وفيهم غلام كانت أمّه عند داود وكان لها محبّا فدخل داود عليها حين أتاه الوحي فقال لها : انّ الله اوحى الىّ يأمرني ان اتّخذ وصيّا من أهلي ، فقالت له امرأته فليكن إبني ، قال : ذلك أريد وكان السّابق في علم الله المحتوم عنده انّه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى الى داود ان لا تعجل دون ان يأتيك أمري فلم يلبث داود ان ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم واوحى الله عزوجل الى داود ان اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضيّة فأصاب فهو وصيّك من بعدك ، فجمع داود ولده فلمّا ان قصّ الخصمان قال سليمان يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرّجل كرمك؟ ـ قال : دخلته ليلا ، قال : قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ، ثمّ قال له داود فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بنى إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم ، فقال سليمان : انّ الكرم لم يجتثّ من أصله وانّما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عزوجل الى داود انّ القضاء في هذه القضيّة ما قضى سليمان به ، يا داود أردت امرا وأردنا امرا غيره فدخل داود على امرأته فقال : أردنا امرا وأراد الله تعالى امرا غيره ولم يكن الّا ما أراد الله فقد رضينا بأمر الله عزوجل وسلّمنا ، وكذلك الأوصياء ليس لهم ان يتعدّوا بهذا الأمر فيجاوزوا صاحبه الى غيره ، وورد غير ذلك باختلاف في اللّفظ وفي المعنى (وَسَخَّرْنا) التّسخير قد مضى في سورة البقرة انّه جعل ارادة المسخّر تابعة لارادة المسخّر (مَعَ داوُدَ الْجِبالَ) ظرف لغو متعلّق بسخّرنا أو مستقرّ حال من الجبال ، وامّا تعلّقه بيسبّحن فانّه بعيد للزوم تخلّل الاجنبىّ بين المعمول المقدّم والعامل ، وتعلّقه بسخّرنا يدلّ على انّ داود مثل الجبال مسخّر له تعالى ، وجعله حالا من الجبال يشعر بكون الجبال مسخّرة لداود (ع) (يُسَبِّحْنَ) حال أو مستأنفة ، قيل : يجوز ان يكون من التّسبيح ومن السّباحة (وَالطَّيْرَ) عطف على الجبال أو مفعول معه ، وقرئ بالرّفع على انّه مبتدء محذوف الخبر ، أو عطف على المرفوع المتّصل على ضعف (وَكُنَّا) من قبل ذلك (فاعِلِينَ) أمثال ذلك فلا يبعد ان نفعل بداود ذلك وأمثاله (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) اى ما يلبس ، والمراد به الدّرع بقرينة قوله تعالى (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) وهو بدل من لكم نحو بدل الاشتمال ، وقرئ ليحصنكم بالياء التّحتانيّة والضّمير حينئذ لداود أو للبوس أو لله بطريق الالتفات ، وقرئ بالتّاء الفوقانيّة والضّمير للصّنعة أو للبوس باعتبار المعنى فانّ معناه الدّرع ، وقرئ بالنّون (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) يعنى إذا كان الأمر على هذا المنوال فاشكروا لله تلك النّعمة العظيمة (وَ) سخّرنا (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) شديدة الهبوب بحيث كان غدوّها شهرا ورواحها شهرا مع انّها كانت رخاء وتحريكها كان في لين (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) بأمر سليمان (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) اى الشّام ، قيل : كان سليمان يسير من الشّام بكرة واليه رواحا (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ)