فكان اعطاؤنا ما نعطى لمن نعطى وامساكنا ما نمسك ممّن نمسك عن علم بالإعطاء والإمساك والمصالح المترتّبة عليهما (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) إظهار نعمة اخرى لسليمان وهي تسخير الشّياطين والجنّة له ، ومن معطوف على الرّيح أو مبتدء خبره من الشّياطين كانوا يغوصون في البحار لإخراج الجواهر النّفسيّة لسليمان (ع) (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) كبناء المدن والقصور العجيبة وعمل الجفون العظيمة كالجواب واختراع الصّنائع الغريبة وصنع ما يشاء من محاريب وتماثيل (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) حتّى لا يخرجوا من امره ولا يفسدوا عليه ملكه وأهل مملكته (وَأَيُّوبَ) عطف أو بتقدير فعل مثل نوحا (إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) اى بانّى مسّنى الضّر وقرئ بكسر الهمزة بتقدير القول أو تضمين النّداء معنى القول (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) اكتفى بإظهار حاله المقتضية للرّحمة وتوصيف ربّه بغاية الرّحمة عن سؤال العافية وهو أبلغ في مقام الطّلب وأقرب الى الحياء وأكمل في حفظ حرمة المسؤل منه ، قيل : كان ايّوب (ع) روميّا من ولد عيص بن اسحق (ع) استنبأه الله وكثّر ماله وولده فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله وبالمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشر أو سبعا وسبعة أشهر ، وانّ امرأته كانت رحمة بنت افرائيم بن يوسف ، وفي خبر كانت بنت يوسف بن يعقوب (ع) ، وقيل : كان ايّوب في زمان يعقوب ، وتزوّج ليّا بنت يعقوب فقالت له يوما : لو دعوت الله فقال : كم كانت مدّة الرّخاء؟ ـ فقالت : ثمانين سنة ، فقال : استحيى من الله ان ادعوه وما بلغت مدّة بلائي مدّة رخائي ، هكذا قيل : وسيجيء في سورة ص تفصيل حاله ، (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) من الأوجاع والأمراض (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) نسب الى الخبر انّه تعالى أحيى له من ماتوا من أهله في زمان البلاء ومن ماتوا قبل بآجالهم وكذلك ردّ الله عليه أمواله ومواشيه بأعيانها وأعطاه مثلها معها ، وقيل : انّه تعالى خيّر ايّوب (ع) فاختار احياء اهله في الآخرة ومثلهم في الدّنيا فأوتى على ما اختار ، وقيل : ولد له ضعف ما كان ، وقيل : أحيى ولده وولد له منهم نوافل ، وقيل : كان له سبع بنات وثلاثة بنين ، وقيل : سبع بنات وسبعة بنين (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) عليه لا من استحقاق له ولا من عند المظاهر (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) يعنى تذكرة لهم بانّ الصّبر على العبادة في الرّخاء والشّدّة كما صبر ايّوب (ع) في الحالين مورث للنّعم الدّنيويّة والاخرويّة وموجب للفرج والسّرور (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) عطف أو بتقدير فعل مثل ما سبق (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) فانّ إسماعيل (ع) صبر في بلد لا زرع به ولا أنيس من اوّل الصّبا ، وإدريس (ع) صبر على دعاء القوم مع شدّتهم في الإنكار لانّه كان اوّل من بعث إليهم ، وامّا ذو الكفل فقد اختلف فيه فقد نسب الى الرّضا (ع) انّه يوشع بن نون ، وقيل : انّه الياس (ع) ، وقيل : انّه زكريّا (ع) ، وقيل : كان رجلا صالحا ولم يكن نبيّا تكفّل لنبىّ وقته بصوم النّهار وقيام اللّيل وان لا يغضب ويعمل بالحقّ فوفى بذلك ، وقيل : كان نبيّا ولم يقصّ الله خبره ، وقيل : هو اليسع كان مع الياس وليس اليسع الّذى ذكره الله في القرآن تكفّل لملك جبّار ان هو تاب دخل الجنّة ودفع اليه كتابا بذلك وكان اسمه كنعان فسمّى ذا الكفل ، ونسب الى الخبر انّه كان من الأنبياء المرسلين وكان بعد سليمان (ع) بن داود (ع) ، والكفل بمعنى الضّعف لضعف ثوابه بالنّسبة الى أهل زمانه لشرفه وبمعنى النّصيب وبمعنى الكفالة والكلّ مناسب (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَذَا النُّونِ) هو مثل ما سبق في العطف والتّقدير ، والنّون بمعنى الحوت سمّى به لابتلائه ببطن الحوت وهو يونس (ع) بن متّى (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) لقومه أو لربّه فانّ غاضبنى فلان بمعنى أغضبني وأغضبته ، وكان حاله مع قومه كذلك ، فانّه بعث إليهم حين كونه ابن ثلاثين وكان فيه حدّة فدعاهم ثلاثا وثلاثين ولم يقبل منه سوى تنوخا العابد وروبيل الحكيم فغضب لذلك ودعا الله على قومه حتّى