وعده الله نزول العذاب على قومه بعد ما امره بالتّأنّى والصّبر فلم يقبل واصرّ على الدّعاء فأخبر قومه بنزول العذاب بعد المشورة مع روبيل وسؤال روبيل عنه ان يراجع ربّه ويسأل دفع العذاب عنهم وابائه عن المراجعة فلمّا صار موعد العذاب وقد اخرجوا يونس (ع) وتنوخا من بلدتهم وكانت البلدة نينوا من اعمال موصل ورأى عدم نزول العذاب عليهم غضب لذلك وغاضب قومه أو غاضب ربّه خصوصا على ما ورد انّه وكله الله تعالى الى نفسه طرفة عين (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) اى لن نضيّق أو لن نقضي عليه ما قضيناه عليه ، أو لن نكون قادرين على اخذه كما ورد انّه وكّل الى نفسه فظنّ ذلك ، ومعنى ما ورد انّه (ع) وكله الله الى نفسه فخطر على باله ذلك وسمّى الخطرة ظنّا ولا ينافي الخطرة مقام النّبوّة فانّ توبة الأنبياء من حيث ولايتهم ، وتوبة الأولياء من خطرات القلوب ، فنادى اى فضيّقنا عليه في الطّريق فدخل سفينة فساهم أهل السّفينة فخرج السّهم باسمه فألقوه في البحر فابتلعه الحوت (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) ظلمة اللّيل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وقيل : انّ الحوت ابتلعه حوت آخر (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) ان مخفّفة من المثقّلة أو تفسيريّة (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) تبرّى اوّلا من انانيّته بعد ما رأى انّ انانيّته ورأيه صارت سببا لهلاكته واثبت الآلهة والرّأى له تعالى ثمّ نزّهه عمّا يورث نقصا في رأيه ووجوده ، ثمّ اعترف بانّ دعاءه على قومه وانانيّته في مقابلة انانيّة الله كانت ظلما منه على قومه وعلى نفسه ، ولمّا كان ذلك منه كناية عن سؤال النّجاة قال تعالى (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) يعنى من بطن الحوت أو غمّ الخطيئة والمغاضبة (وَكَذلِكَ) الإنجاء من بطن الحوت بسبب التّبرّى من الانانيّة والاستقلال بالرّأى وإثبات الانانيّة لله وتنزيهه من معرفة البشر والاعتراف بالظّلم في إثبات الانانيّة والمعرفة للنّفس (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) قرئ ننجي بنونين من باب الأفعال ، وقرئ نجّى بنون واحدة وتشديد الجيم وسكون الياء على انّه مضارع من باب الأفعال وأدغم النّون الثّانية في الجيم ، أو على انّه من باب التّفعيل وحذف النّون الّتى كانت فاء أو على انّه ماض مجهول منسوب الى المصدر ، وسكونه بنيّة الوقف كما قيل ، روى عن النّبىّ (ص) : ما من مكروب يدعو بهذا الدّعاء الّا استجيب له لانّ المؤمن إذا خرج من انانيّته في جنب انانيّة الله واعترف بانّ رؤية الانانيّة في جنب انانيّة الله ظلم ودعا الله في هذه الحال استجيب له لا محالة لانّه يكون حينئذ مصداقا لقوله تعالى : أجيب دعوة الدّاع إذا دعان ، وفي خبر عن الصّادق (ع) : عجبت لمن اغتمّ كيف لا يفزع الى قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فانّى سمعت الله يقول بعقبها : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ وَزَكَرِيَّا) مثل ما سبق في العطف أو التّقدير (إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِ) قائلا ربّ (لا تَذَرْنِي فَرْداً) بلا ولد ولا عقب يرثني (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) استدراك لما يتوهّم من انّه في دعائه الولد بقوله : (لا تَذَرْنِي فَرْداً) صرف النّظر عن الله ومعيّته معه (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) فانّها كانت قطع حيضها لكبرها وكانت عقيمة قبل الهرم فأصلح الله رحمها وحاضت وحملت أو كانت هرمة فجعلها الله شابّة حسنة شهيّة ، أو كانت سيّئة الخلق فصيّرها الله حسنة الخلق (إِنَّهُمْ كانُوا) استيناف في مقام التّعليل والضّمير لزكريّا (ع) وزوجه ويحيى (ع) أو للأنبياء (ع) المذكورين من اوّل القصص فانّ كلّهم كانوا (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) الّتى كانت بينهم وبين الله وبينهم وبين الخلق في العالم الصّغير والكبير (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) ذوي رغب أو دعاء رغب أو راغبين أو للرّغبة والرّهبة ، والرّغب محرّكة من رغب اليه اجتهد في دعائه أو تضرّع عليه وهذا نظير قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) ، وهذه العبارة يجوز ان يراد بها انّ بعضهم