الفاء للتّرتيب في الاخبار (مِنَ الصَّالِحاتِ) بعضا من الصّالحات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالايمان العامّ والبيعة العامّة النّبويّة أو بالايمان الخاصّ والبيعة الخاصّة الولويّة (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) كفران السّعى كناية عن ضياعه علّق عدم ضياع السّعى على عمل شيء من الصّالحات به يظهر اثر الايمان على البدن أو النّفس مقيّدا بقبول الدّعوة الظّاهرة أو الدّعوة الباطنة وإذا اعتبر مفهوم القيدين صار المعنى : من لم يعمل شيئا من الصّالحات سواء لم يعمل شيئا من السّيّئات أو عمل بعضها أو كلّها ، وسواء كان مؤمنا أو كافرا ، ومن عمل شيئا من الصّالحات أو جميعها ولم يكن مؤمنا ضاع سعيه وهو هكذا كما يدلّ عليه الاخبار ، فليس الأمر كما يقوله القلندريّة من انّك إذا عرفت فاعمل ما شئت ، فلا تصغوا إخوتي الى أقاويل البطّالين من المتصوّفة والقلندريّة واعملوا بلوازم ايمانكم ما قدرتم ثمّ تفوزوا ان شاء الله بنتائج ايمانكم وأعمالكم (وَإِنَّا لَهُ) اى لذلك البعض من الصّالحات أو لسعيه (كاتِبُونَ) أو لأجل من يعمل من الصّالحات كاتبون في صحائف عمله ما يعمله (وَحَرامٌ) قرئ حرام بفتح الفاء والمدّ وحرم بكسر الحاء وسكون الرّاء ، وحرم بصيغة الفعل المبنىّ للمفعول (عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) قرئ انّهم بفتح الهمزة وكسرها وحرام خبر مقدّم أو مبتدء مكتف بمرفوعه عن الخبر وانّهم مبتدء مؤخّر أو فاعل مغن عن الخبر ، أو حرام خبر مبتدء محذوف والمراد بالقرية أهلها بطريق المجاز في الحذف أو المجاز في اللّفظ والمعنى ممتنع على أهل قرية أهلكناهم عن الحيوة الانسانيّة عدم رجوعهم الى جزائنا وعقوبتنا أو رجوعهم الى ثوابنا على ان يكون لا زائدة أو الى الانسانيّة أو الى الدّنيا أو ذلك المذكور من عدم ضياع السّعى حرام على قرية أهلكناها لانّهم لا يرجعون الى الانسانيّة أو الى دار الثّواب ، أو أهلكناها لانّهم لا يرجعون عن غيّهم على ان يكون تعليلا لاهلكناها وكون انّهم بتقدير اللّام موافق معنى لقراءة كسر همزة انّ وكان الأوفق بمقابلة القرين الاوّل بحسب الظّاهر ان يقول تعالى : ومن عمل من السّيّئات أو من لم يعمل من الصّالحات سواء كان مؤمنا أم لا أو من لم يؤمن سواء عمل من الصّالحات أو لم يعمل فلا شكر لسعيه لكنّه عدل عنه وادّاه بحيث أفاد هذا المعنى مع شيء زائد وهو هلاكتهم عن الانسانيّة وإهلاك الله لهم وامتناع رجوعهم الى الانسانيّة أو الى دار الثّواب (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) غاية لعمل الصّالحات أو لعدم كفران السّعى أو لحرمة الرّجوع أو لحرمة عدم الرّجوع أو لعدم الرّجوع عن الغىّ والمراد بانفتاح يأجوج ومأجوج انفتاح سدّهم وقد سبق في سورة الكهف بيان يأجوج ومأجوج وتأويلهما ووجه منع صرفهما (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) مرتفع من الأرض (يَنْسِلُونَ) اى يسرعون والضّمير ليأجوج ومأجوج أو للنّاس ، وقرئ من كلّ جدث ينسلون وهو يؤيّد إرجاع الضّمير الى النّاس فانّ الجدث بمعنى القبر.
اعلم ، انّ أمثال هذه من الرّموز الّتى رمزوها الأقدمون من الأنبياء والحكماء والمنظور من حكاياتها ليس الّا التّنبيه على المرموز اليه وليس النّظر من الله تعالى ولا من خلفائه الى صورة السّمر ، والمراد بيأجوج ومأجوج في العالم الصّغير جنود إبليس المتولّدة من الجنّيّة الّتى أتى بها لابن آدم وبقبول الولاية يجعل صاحب الولاية سدّا بينهم وبين بنى آدم الّذين تولّدوا من الحوراء الّتى أتى بها لابنه الآخر ، وإذا قرب السّاعة انفتح السّدّ وخرج يأجوج ومأجوج واستغرقوا تمام صفحة النّفس وأكلوا ما وجدوا فيها وهرب بنو آدم من صفحة النّفس فرارا منهم فلا يبقى تلّ ووهد الّا كان يأجوج ومأجوج مسرعين فيه وكان النّاس مسرعين منه (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) يعنى ساعة الاحتضار وظهور القائم عجّل الله فرجه والقيامة الصّغرى (فَإِذا هِيَ) الإتيان بالفاء وإذا المفاجاة لتأكيد لصوق الجزاء بالشّرط ، والضّمير للقصّة أو مبهم يفسّره الأبصار (شاخِصَةٌ) مبتدء مكتف بالمرفوع عن الخبر أو خبر مقدّم