(أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) لا الّذين آمنوا فانّهم عن الأهوال ذلك اليوم آمنون فانّ الكفّار لهول ذلك اليوم وعدم أنسهم به يبقى أبصارهم مفتوحة لا تطرف ، وامّا المؤمن فانّه لانسه بالآخرة وبما يرى في ذلك اليوم كأنّه لا يرى امرا هائلا غريبا ولا يكون له امر هائل إذا كان كاملا ، وغير الكامل قد يرى أهوال ذلك اليوم لكن لا من حيث ايمانه بل من حيث كفره (يا وَيْلَنا) بتقدير القول اى قائلين يا ويلنا (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) الوعد ولم نكن نتفكّر فيه ونقبله ونستعدّ له (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) بل لم نكتف بالغفلة من هذا وكنّا عاملين لضدّ هذا وقد خلقنا الله تعالى للعمل لهذا والانس به (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : ما يقال لهم؟ ـ فقال الله تعالى نقول : انّكم وما تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) اى حالكون ما تعبدون بعضا من غير الله أو ما تعبدون من دون اذن الله ، وفائدة التّقييد إخراج المطاعين بإذن الله كالأنبياء وأوصيائهم (حَصَبُ جَهَنَّمَ) والحصب الحطب ومطلق ما يرمى به في النّار ، أو لا يكون الحطب حصبا حتّى يسجر به (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) لام لها زائدة للتّقوية والجملة تأكيد للجملة الاولى والمراد بالخطاب المخاطبون وما يعبدون بطريق التّغليب (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) مستأنف جواب لسؤال مقدّر ناش من سابقه كأنّه قال : فما حال هؤلاء الآلهة؟ ـ فقال : لو كانوا الهة ما وردوها ، أو مستأنف منقطع عن سابقه لفظا ومعنى وردّ من الله على الحاضرين المخاطبين بعد التّسجيل على الآلهة بالورود في النّار ، أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : ما يقال حين الورود؟ ـ فقال تعالى : يقال لهم : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها (وَكُلٌ) من العابدين والمعبودين (فِيها خالِدُونَ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) تنفّس شديد لشدّة التّعب (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) لشدّة الهول وعدم استشعارهم بالأصوات أو لصممهم أو لا يسمعون ما ينفعهم ويريحهم ، والاشكال بانّ المعبودين سوى الله لا يكون كلّهم مستحقّين للنّار فانّ الشّمس والقمر وسائر النّجوم والملائكة وعيسى (ع) قد عبدوا وليسوا مستحقّين للنّار ولا راضين بعبادة النّاس لهم مدفوع بانّ الخطاب لعابدى الأصنام أو بأنّهم مستثنون من هذا الحكم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ) فانّه بمنزلة الّا الّذين سبقت كما أشير الى هذا الوجه في الخبر ، أو بانّ المعبود حقيقة في تلك العبادات هو الشّيطان المعنوىّ والجنّىّ الّذى كان قرين العابد في عبادته كما قال تعالى خطابا للملائكة (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ، قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) جواب لسؤال مقدّر ولذلك اكّده استحسانا (أُولئِكَ) تكرار المبتدأ باسم الاشارة البعيدة تفخيم لشأنهم (عَنْها مُبْعَدُونَ) اى عن عذابها ومسيس ألمها حتّى لا ينافي قوله (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ، وما قيل : انّ هذه ناسخة لتلك بعيد جدّا (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) الحسيس صوت يحسّ به والجملة حال أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو خبر بعد خبر (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فزع القيامة الكبرى فانّه أفزع من فزع القيامة الصّغرى ، وقيل : هو النّفخة الاخيرة ، وقيل : هو حين يؤمر بالعبد الى النّار وهما راجعان الى الاوّل ، وقيل : هو عذاب النّار إذا أطبقت على أهلها وهو عقيب القيامة الكبرى (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) قائلين (هذا يَوْمُكُمُ) اى دولتكم أو يوم ثوابكم (الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
اعلم انّ الحسن المطلق هو الولاية المطلقة وكلّ ما كان متّصلا بالولاية أو منتهيا إليها من فعل أو قول أو خلق